للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: من العجب ردُّ هذه النُّصوص الصَّحيحة الصَّريحة الَّتي لا مدفعَ لها، ولا مطعنَ فيها، ولا تحتمل تأويلًا البتَّة بلفظٍ مجملٍ ليس ظاهرًا في أنَّها كانت مفرِدةً، فإنَّ غاية ما احتجَّ به من زعم أنَّها كانت مفردةً قولُها: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نرى إلا أنَّه الحجُّ. فيا لله العجب! أيُظَنُّ بالمتمتِّع أنَّه خرج لغير الحجِّ؟ بل خرج للحجِّ متمتِّعًا، كما أنَّ المغتسل للجنابة إذا بدأ فتوضَّأ لا يمتنع أن يقول: خرجتُ لغسل الجنابة. وصدَقتْ أمُّ المؤمنين إذ (١) كانت لا ترى إلا أنَّه الحجُّ، حتَّى أحرمتْ بعمرةٍ بأمره - صلى الله عليه وسلم -، وكلامها يصدِّق بعضُه بعضًا.

وأمَّا قولها: لبَّينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجِّ، فقد قال جابر عنها في «الصَّحيحين» (٢): إنَّها أهلَّت بعمرةٍ، وكذلك قال طاوسٌ عنها في «صحيح مسلم» (٣)، وكذلك قال مجاهد عنها (٤)، فلو تعارضت الروايتان (٥) عنها فرواية الصَّحابة عنها أولى أن يؤخذ بها من رواية التَّابعين، كيف ولا تعارضَ في ذلك البتَّة، فإنَّ القائل «فعلنا كذا» يصدُق ذلك منه بفعله وبفعل أصحابه. ومن العجب أنَّهم يقولون في قول ابن عمر: «تمتَّع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحجِّ»، معناه: تمتَّع أصحابه، فأضاف الفعل إليه لأمره به، فهلَّا قلتم في قول عائشة: «لبَّينا بالحجِّ»: إنَّ المراد به جنس الصَّحابة الذين لبَّوا بالحجِّ؟


(١) ك: «إذا».
(٢) تقدم تخريجه، الحديث في مسلم (١٢١٣/ ١٣٦).
(٣) برقم (١٢١١/ ١٣٢)، وتقدم تخريجه أيضًا.
(٤) رواه مسلم (١٢١١/ ١٣٣).
(٥) في المطبوع: «الروايات».