للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«كسب الحجَّام خبيثٌ» (١)، ثمَّ أعطى الحجَّام أجره، وكان ذلك ناسخًا لمنعه وتحريمه ونهيه. انتهى كلامه.

وأسهلُ ما في هذه الطَّريقة أنَّها دعوى مجرَّدةٌ لا دليلَ عليها، فلا تُقبل، كيف وفي الحديث نفسه ما يُبطِلها؛ فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الكلاب، ثمَّ قال: «ما بالهم وبال الكلاب؟»، ثمَّ رخَّص لهم في كلب الصَّيد.

وقال ابن عمر: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب إلا كلبَ صيدٍ، أو كلبَ غنمٍ أو ماشيةٍ (٢). وقال عبد الله بن مغفَّلٍ: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب، ثمَّ قال: «ما بالهم وبال الكلاب؟»، ثمَّ رخَّص في كلب الصَّيد وكلب الغنم (٣).

والحديثان في «الصَّحيح»، فدلَّ على أنَّ الرُّخصة في كلب الصَّيد والغنم وقعت بعد الأمر بقتل الكلاب، فالكلب الذي أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اقتنائه هو الذي حرَّم ثمنه وأخبر أنَّه خبيثٌ، دونَ الكلب الذي أمر بقتله، فإنَّ المأمور بقتله غير مستبقًى حتَّى تحتاج الأمَّة إلى بيان حكم ثمنه، ولم تجْرِ العادة ببيعه وشرائه، بخلاف الكلب المأذون في اقتنائه، فإنَّ الحاجة داعيةٌ إلى بيان حكم ثمنه أولى من حاجتهم إلى بيان ما لم تجْرِ عادتهم ببيعه، بل قد أُمِروا بقتله.


(١) أخرجه مسلم (١٥٦٨) من حديث رافع بن خديج، وقد تقدم (ص ٤٤٥).
(٢) أخرجه البخاري (٣٣٢٣) ومسلم (١٥٧١)، وهذا لفظ مسلم.
(٣) أخرجه مسلم (٢٨٠).