للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: ١٦٦]، وهو الإذن الكوني القدري لا الشرعيُّ الديني، كقوله في السحر: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ١٠٢].

ثم أخبر عن حكمة هذا التقدير، وهي أن يعلم المؤمنين من المنافقين علمَ عيانٍ ورؤيةٍ يتميز فيه أحد الفريقين من الآخر تميُّزًا ظاهرًا، وكان من حكمة هذا التقدير تكلُّم المنافقين بما في نفوسهم، فسمعه المؤمنون وسمعوا ردَّ الله عليهم وجوابَه لهم، وعرفوا موادّ النفاق (١) وما يؤول إليه، وكيف يُحرَم صاحبُه سعادةَ الدنيا والآخرة، ويعود عليه بفساد الدنيا والآخرة؛ فلِلّه كم من حكمةٍ في ضمن هذه القضيّة بالغة، ونعمةٍ على المؤمنين سابغة؛ وكم فيها من تحذيرٍ وتخويف وإرشاد وتنبيه، وتعريفٍ بأسباب الخير والشر ومآلِهما وعاقبتهما!

ثم عزَّى نبيه وأولياءه عمَّن قُتل منهم في سبيله أحسنَ تعزيةٍ وألطفَها وأدعاها إلى الرضى بما قضاه لها، فقال: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: ١٦٩ - ١٧٠]، فجمع لهم إلى الحياة الدائمة منزلةَ القُرْبِ منه وأَنَّهم عنده، وجريانَ الرزق المستمر عليهم، وفرحَهم بما آتاهم من فضله ــ وهو فوق الرضى، بل هو كمال الرضى ــ، واستبشارَهم بإخوانهم الذين باجتماعهم بهم يَتمُّ سرورُهم


(١) طبعة الرسالة: «مؤدَّى النفاق» خلافًا للأصول والطبعة الهندية.