للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم كرر عليهم سبحانه أن هذا الذي أصابهم إنما أُتُوا فيه من قِبَل أنفسهم وبسبب أعمالهم، فقال: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: ١٦٥]، وذكر هذا بعينه فيما هو أعم من ذلك في السور المكية فقال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠]، وقال: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: ٧٩]، فالحسنة والسيئة هاهنا: النعمة والمصيبة، فالنعمة مَنٌّ مِن الله منَّ بها عليك، والمصيبة إنما نشأت من قِبَل نفسك وعملك، فالأول فضله والثاني عدله، والعبدُ يتقلَّب بين فضله وعدله؛ جارٍ عليه فضلُه، ماضٍ فيه حكمُه، عدلٌ فيه قضاؤه.

وختم الآية الأولى بقوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} بعد قوله: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} إعلامًا لهم بعموم قدرته مع عدلِه وأنه عادل قادر، وفي ذلك إثبات القَدَر (١) والسبب، فذكر السبب وأضافه إلى نفوسهم، وذكر عموم القُدرة وأضافها إلى نفسه، فالأول ينفي الجبر، والثاني ينفي القول بإبطال القَدَر، فهو يشاكل قوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٨].

وفي ذكر قدرته هاهنا نكتة لطيفة، وهي أن هذا الأمر بيده وتحت قدرته، وأنه هو الذي لو شاء لصرفه عنكم، فلا تَطلُبوا كشفَ أمثاله من غيره ولا تتكلوا على سواه، وكشف هذا المعنى وأوضحه كلَّ الإيضاح بقوله: {وَمَا


(١) زِيدت في ق هاء بخط مغاير فصار: «القدرة».