للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النفوس وحُكمِ العادة وتزيينِ الشيطان واستيلاءِ الغفلة ما يضادُّ ما أُودِع فيها من الإيمان والإسلام والبر والتُّقى، فلو تُرِكت في عافية دائمة مستمرة لم تتخلص من هذا المُخالِط (١) ولم تتمحص منه، فاقتضت حكمة العزيز الرحيم أن قيّض لها من المِحَن والبلايا ما يكون كالدواء الكريه لمن عرض له داءٌ إن لم يتداركه طبيبه بإزالته وتنقيته من جسده وإلا (٢) خِيف عليه منه الفسادُ والهلاك، فكانت نعمته سبحانه عليهم بهذه الكسرة والهزيمة وقَتْلِ من قتل منهم تُعادل نعمتَه عليهم بنصرهم وتأييدهم وظَفَرهم بعدوِّهم، فله عليهم النعمةُ التامَّة في هذا وهذا.

ثم أخبر سبحانه عن تَوَلِّي مَن تولَّى من المؤمنين الصادقين في ذلك اليوم، وأنه بسبب كسبهم وذنوبهم، فاستزلهم الشيطان بتلك الأعمال حتى تولوا، فكانت أعمالهم جندًا عليهم ازداد بها عدوُّهم قوةً، فإن الأعمال جندٌ للعبد وجند عليه ولا بُدَّ، فللعبد كلَّ وقتٍ سريةٌ من نفسه تهزمه أو تنصره، فهو يُمدُّ عدوَّه بأعماله من حيث يظن أنه يقاتله بها، ويبعث إليه سريةً تغزوه مع عدوه من حيث يظن أنه يغزو عدوَّه، فأعمالُ العبد تسوقه قسرًا إلى مقتضاها من الخير والشر والعبدُ لا يشعر، أو يشعر ويتعامى، ففرار الإنسان من عدوه وهو يطيقه إنما هو بجندٍ من عمله بعثه له الشيطانُ واستزلَّه به.

ثم أخبر سبحانه أنه عفا عنهم، لأن هذا الفرار لم يكن عن نفاق ولا شك، وإنما كان عارضًا عفا الله عنه، فعادت شَجاعةُ الإيمان وثباته إلى مركزها ونصابها.


(١) د، ز: «هذه المخالطة». ص، ن: «هذه المخالِط».
(٢) «وإلا» كذا في الأصول والنسخ المطبوعة، وهو زائد، والكلام مستقيم دونه.