للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«إنما أنت رجل واحد فخَذِّل عنَّا ما استطعت، فإن الحرب خَدعة» (١)، فذهب من فوره ذلك إلى بني قريظة ــ وكان عشيرًا لهم في الجاهلية ــ فدخل عليهم ولا يعلمون بإسلامه فقال: يا بني قريظة إنكم قد حاربتم محمدًا، وإن قريشًا إن أصابوا فرصةً انتهزوها، وإلا انشمروا إلى بلادهم وتركوكم ومحمدًا فانتقم منكم، قالوا: فما العمل يا نُعيم؟ قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن، قالوا: لقد أشرتَ بالرأي. ثم مضى على وجهه إلى قريش فقال لهم: تعلمون ودِّي ونصحي لكم، قالوا: نعم، قال: إن يهود قد ندموا على ما كان منهم مِن نقض عهد محمدٍ وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ثم يمالئونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم.

ثم ذهب إلى غطفان فقال لهم مثل ذلك، فلما كان ليلة السبت من شوال بعثوا إلى اليهود: إنا لسنا بأرض مقامٍ، وقد هلك الكُراع والخفُّ، فانهضوا بنا حتى نناجز محمدًا؛ فأرسل إليهم اليهود (٢): أن اليوم يوم السبت، وقد علمتم ما أصاب مَن قبلنا حين أحدثوا فيه، ومع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن. فلما جاءتهم رسلهم بذلك قالت قريش: صدقكم والله نعيم، فبعثوا إلى يهود: إنا والله لا نرسل إليكم أحدًا فاخرُجوا معنا حتى


(١) أخرجه ابن إسحاق عن عبد الله بن كعب بن مالك (من كبار التابعين) مرسلًا، كما في «الدلائل» (٣/ ٤٤٥ - ٤٤٦)، وهو في «سيرة ابن هشام» (٢/ ٢٢٩) دون تعيين إسناد ابن إسحاق في هذه القصة من أحداث الغزوة. وأخرجه موسى بن عقبة في مغازيه ــ كما في «الدلائل» (٣/ ٤٠٥) ــ عن الزهري ضمن قصة نُعيم بن مسعود بلفظ: «إن الحرب خدعة، وعسى الله أن يصنع لنا». وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الحرب خدعة» دون ذكر القصة متفق عليه، وقد سبق تخريجه.
(٢) م، ق، ب، ث: «فانهَدُوا بنا إلى محمد حتى نناجزه، فأرسلوا إليهم: أن اليوم ... ».