للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأقضيته - صلى الله عليه وسلم - يوافق بعضُها بعضًا، وكلُّها توافق كتابَ اللَّه، والميزان الذي أنزله ليقوم النَّاس بالقسط، وهو القياس الصَّحيح، كما ستَقَرُّ عينُك إن شاء الله بالوقوف عليه عن قريبٍ (١).

وقال مالك والشَّافعيُّ: لها السُّكنى. وأنكر القاضي إسماعيل بن إسحاق هذا القول إنكارًا شديدًا.

وقوله (٢): «من أجلِ أنَّهما يتفرَّقان من غير طلاقٍ ولا متوفَّى عنها»، لا يدلُّ مفهومه على أنَّ كلَّ مطلَّقةٍ ومتوفّى عنها لها النَّفقة والسُّكنى، وإنَّما يدلُّ على أنَّ هاتين الفُرقتين قد يجب معهما نفقةٌ وسكنى، وذلك إذا كانت المرأة حاملًا، فلها ذلك في فُرقة الطَّلاق اتِّفاقًا، وفي فرقة الموت ثلاثة أقوالٍ:

أحدها: أنَّه لا نفقة لها ولا سكنى، كما لو كانت حائلًا، وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى روايتيه، والشَّافعيِّ في أحد قوليه، لزوال سبب النَّفقة بالموت على وجهٍ لا يُرجى عَوده، فلم يبقَ إلا نفقة قريبٍ، فهي في مال الطِّفل إن كان له مالٌ، وإلَّا فعلى من تلزمه نفقته من أقاربه.

والثَّاني: أنَّ لها النَّفقة والسُّكنى في تركته، تُقدَّم بها على الميراث، وهذا إحدى الرِّوايتين عن أحمد؛ لأنَّ انقطاع العصمة بالموت لا يزيد على انقطاعها بالطَّلاق البائن، بل انقطاعها بالطَّلاق أشدُّ، ولهذا تُغسِّل المرأة زوجَها بعد موته عند جمهور العلماء (٣)، حتَّى المطلَّقة الرَّجعيَّة عند أحمد


(١) م: «قرب».
(٢) في أثر ابن عباس الذي تقدم (ص ٥٣٥).
(٣) د: «الفقهاء».