للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعينه بقوله: {(٧) وَيَدْرَأُ عَنْهَا} [النور: ٨]، فهذا هو العذاب المشهود، مَكَّنها مِن دفْعِه بلعانها، فأين هنا عذابٌ غيرُه حتَّى تُفسَّر الآية به؟

وإذا تبيَّن هذا فهذا هو القول الصَّحيح الذي لا نعتقد سواه، ولا نرتضي (١) إلا إيَّاه. وباللَّه التَّوفيق.

فإن قيل: فلو نكلَ الزَّوج عن اللِّعان بعد قذْفِه فما حكم نكوله؟

قلنا: يُحَدُّ حدَّ القذف عند جمهور العلماء من السَّلف والخلف، وهو قول الشَّافعيِّ ومالك وأحمد وأصحابهم. وخالف في ذلك أبو حنيفة، وقال: يُحبس حتَّى يُلاعِن أو تُقرَّ الزَّوجة. وهذا الخلاف مبنيٌّ على أنَّ موجِبَ قذف الزَّوج لامرأته هل هو الحدُّ كقذف الأجنبيِّ وله إسقاطُه باللِّعان، أو موجبه اللِّعانُ نفسه؟ فالأوَّل قول الجمهور، والثَّاني: قول أبي حنيفة.

واحتجُّوا عليه بعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤]، وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهلال بن أمية: «البيِّنة أو حدٌّ في ظهرك» (٢)، وبقوله له: «عذابُ الدُّنيا أهونُ من عذاب الآخرة» (٣)، وهذا قاله لهلال بن أمية قبل شروعه في اللِّعان، فلو لم يجب الحدُّ بقذفه لم يكن لهذا معنًى. وبأنَّه قذفَ حرَّةً عفيفةً يجري بينه وبينها القَوَدُ، فحُدَّ بقذفها كالأجنبيِّ. وبأنَّه لو لاعنها ثمَّ أكذبَ نفسَه بعدَ لعانِه (٤)


(١) م، د، ب: «يعتقد» و «يرتضى».
(٢) سبق تخريجه.
(٣) أخرجه مسلم (١٤٩٣) من حديث عبد الله بن عمر.
(٤) في المطبوع: «لعانها» خلاف النسخ.