للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتقربون إليه به.

فلما قدموا المدينة أفاض أهلُ الإفك في الحديثِ ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ساكت لا يتكلم، ثم استشار أصحابه في فراقها فأشار عليه عليٌّ بأن يُفارِقها ويأخذَ غيرَها تلويحًا لا تصريحًا، وأشار عليه أسامة وغيره بإمساكها وبأن لا (١) يلتفت إلى كلام الأعداء (٢).

فعليٌّ لمّا رأى أن ما قيل مشكوك فيه أشار بترك الشك والريبة إلى اليقين ليتخلَّص رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من الهمِّ والغمِّ الذي لحقه بكلام الناس فأشار بحسم الداء؛ وأسامة لمّا علم حبَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها ولأبيها، وعلم من عفَّتها وبراءتها وحصانتها وديانتها ما هي فوقَ ذلك وأعظمُ منه، وعرف من كرامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ربِّه ومنزلته عنده ودفاعِه عنه أنه لا يجعل ربَّةَ بيته وحبيبتَه من النساء وبنتَ صديقه بالمنزلة التي أنزلها بها أرباب الإفك، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكرمُ على ربه وأعزُّ عليه من أن يجعل تحته امرأةً بغيًّا، وعلم أن الصديقة حبيبةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكرمُ على ربها من أن يبتليها بالفاحشة وهي تحت رسوله (٣)؛ فمن قويت معرفةُ الله ومعرفةُ رسولِه - صلى الله عليه وسلم - وقدرُه عند الله في قلبه قال (٤) كما قال أبو أيوب وغيره من سادات الصحابة لمَّا سمعوا ذلك:


(١) م، ق، ب، ن: «وأن لا».
(٢) قصة الإفك أخرجها البخاري (٢٦٦١، ٤١٤١، ٤٧٥٠) ومسلم (٢٧٧٠) من حديث عائشة - رضي الله عنها - مطوّلة.
(٣) لم يأت جواب «لمّا» في كلام المؤلف، ولعله اكتفى بدلالة السياق عليه، والتقدير أن أسامة لمّا علم كلَّ ذلك أشار عليه بإمساكها وعدم الالتفات إلى كلام الأعداء.
(٤) «قال» ساقطة من ص، د، ن.