للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا فإنَّ أيَّام التَّحريم مستثناةٌ بالشَّرع غير قابلةٍ للصَّوم شرعًا، فهي بمنزلة اللَّيل وبمنزلة أيَّام الحيض، فلم يكن الصَّحابة ليسألوه عن صومها وقد علموا عدم قبولها للصَّوم، ولم يكن ليجيبهم لو لم يعلموا التَّحريم بقوله: «لا صام ولا أفطر»، فإنَّ هذا ليس فيه بيانٌ للتَّحريم.

فهديه الذي لا شكَّ فيه أنَّ صوم يومٍ وفطر يومٍ أفضل من صوم الدَّهر وأحبُّ إلى اللَّه. وسردُ صيام الدَّهر مكروهٌ، فإنَّه لو لم يكن مكروهًا لزم أحد ثلاثة أمورٍ ممتنعةٍ: أن يكون أحبَّ إلى الله من صوم يومٍ وفطر يومٍ وأفضلَ منه؛ لأنَّه زيادة عملٍ، وهذا مردودٌ بالحديث الصَّحيح: «إنَّ أحبَّ الصِّيام إلى الله صيام داود» (١)، وأنَّه لا أفضل منه. وإمَّا أن يكون مساويًا له في الفضل وهو ممتنعٌ أيضًا. وإمَّا أن يكون مباحًا متساويَ الطَّرفين، لا استحبابَ فيه ولا كراهةَ، وهذا ممتنعٌ، إذ ليس هذا شأنَ العبادات، بل إمَّا أن تكون راجحةً أو مرجوحةً، والله أعلم.

فإن قيل: فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صام رمضان وأتبعَه ستًّا (٢) من شوَّالٍ فكأنَّما صام الدَّهر» (٣)، وقال فيمن صام ثلاثة أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ: «إنَّ ذلك يَعدِل صومَ الدَّهر» (٤)، وذلك يدلُّ على أنَّ صوم الدَّهر أفضل ممَّا عُدِل به، وأنَّه أمرٌ


(١) رواه البخاري (١١٣١) ومسلم (١١٥٩/ ١٨٩) من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - .
(٢) ق، ك، مب: «ستة». والمثبت من ص، ج، ع موافق لما في «صحيح مسلم».
(٣) رواه مسلم (١١٦٤) من حديث أبي أيوب - رضي الله عنه - .
(٤) رواه البخاري (١٩٨٠) ومسلم (١١٥٩/ ١٩١) من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - .