للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مطلوبٌ، وثوابه أكثرُ ثوابِ الصَّائمين، حتَّى شبَّه به من صام هذا الصِّيام.

قيل: نفس هذا التَّشبيه في الأمر المقدَّر لا يقتضي جوازَه فضلًا عن استحبابه، وإن كان يقتضي التَّشبيهَ به في ثوابه لو كان مستحبًّا، والدَّليل عليه من نفس الحديث، فإنَّه جعل صيام ثلاثة أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ بمنزلة صيام الدَّهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، وهذا يقتضي أن يحصل له ثواب من صام ثلاثمائةٍ وستِّين يومًا، ومعلومٌ أنَّ هذا حرامٌ قطعًا، فعُلِم أنَّ المراد به حصول هذا الثَّواب على تقدير مشروعيَّة صيام ثلاثمائةٍ وستِّين يومًا.

وكذلك قوله في صيام ستَّة أيَّامٍ من شوَّالٍ: «إنَّه يَعدِل مع صيام (١) رمضان صيامَ السَّنة»، ثمَّ قرأ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠]. فهذا صيام ستَّةٍ وثلاثين يومًا يعدِل صيام ثلاثمائةٍ وستِّين يومًا، وهو غير جائزٍ بالاتِّفاق، بل قد يجيء مثل هذا فيما يمتنع فعلُ المشبَّه به عادةً بل يستحيل، وإنَّما يُشبَّه به من فعل ذلك على تقدير إمكانه، كقوله لمن سأله عن عملٍ يَعدِل الجهاد: «هل تستطيعُ إذا خرج المجاهد أن تقومَ ولا تفتُرَ، وأن تصوم ولا تُفطِر؟» (٢) ومعلومٌ أنَّ هذا ممتنعٌ عادةً، كامتناع صوم ثلاثمائةٍ وستِّين يومًا شرعًا، وقد شبَّه العمل الفاضل بكلٍّ منهما.

يزيده وضوحًا: أنَّ أحبَّ القيام إلى الله قيام داود، وهو أفضل من قيام اللَّيل كلِّه بصريح السُّنَّة الصَّحيحة (٣). وقد مثَّل من صلَّى العشاء (٤) الآخرة


(١) «صيام» ليست في ص، ج.
(٢) رواه البخاري (٢٧٨٥) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(٣) ص، ج: «الصريحة».
(٤) ص، ج، ق، مب: «عشاء».