للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استشارهم ثالثًا ففهمت الأنصار أنه يَعْنِيهم فبادر سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله! كأنك تُعرِّض بنا؟ وكان إنما يَعنيهم لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من الأحمر والأسود في ديارهم، فلما عزم على الخروج استشارهم ليعلم ما عندهم، فقال له سعد: لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى عليها (١) أن لا ينصروك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم: فاظعَنْ حيث شئتَ، وصِلْ حبلَ من شئتَ، واقطَعْ حبلَ من شئتَ، وخُذْ من أموالنا ما شئتَ، وأعطِنا ما شئت، وما أخذتَ منا كان أحبَّ إلينا مما تركت، وما أمرتَ فيه من أمرٍ فأمرُنا تبعٌ لأمرك، فواللهِ لئن سِرْتَ حتى تبلغ البَرْكَ من غُمْدَان (٢)

لنَسِيرَنَّ معك، وواللهِ لئن استعرضتَ بنا هذا البحرَ خُضناه معك (٣)!


(١) سياقه في د: «أن لا تكون الأنصار ترى حقًّا عليها». كذا كان في ص ثم أصلحه.
(٢) «البَرك من غُمدان» هكذا سمَّاه الأموي في «مغازيه» كما في «البداية والنهاية» (٥/ ٧٤)، وسمَّاه موسى بن عقبة: «البَرك من غِمدِ ذي يَمَن»، والذي في عامّة كتب الحديث والسيرة: «بَرْك الغِماد» وهو موضع على الساحل جنوب مكة، وهو الذي بلغه أبو بكر عندما خرج مهاجرًا إلى الحبشة فلقيه فيه ابنُ الدَّغِنَة فأمره أن يرجع إلى مكة آمنًا في جواره، كما في «صحيح البخاري» (٢٢٩٧)، وهو اليوم بلدة معروفة بـ «البِرْك» على الساحل على قرابة (٥٠٠) كيلًا جنوب مكة.

وأما «غُمْدَان» فقصر مَشيد مشهور كان بصنعاء اليمن، هُدِم في أيام عثمان - رضي الله عنه -. انظر: «معجم البلدان» (٤/ ٢١٠).
(٣) كلمة سعد بن معاذ ذكرها موسى بن عقبة في مغازيه ــ كما في «الدلائل» للبيهقي (٣/ ١٠٧) ــ بنحوها. وأسندها ابن إسحاق ــ ومن طريقه ابن هشام (١/ ٦١٥) والطبري في «تفسيره» (١١/ ٤١ - ٤٣) ــ بنحوها ضمن حديث طويل في أحداث الغزوة رواه من عدّة طرقٍ فجمع حديثهم في سياق واحد، وليس فيها ذكر «برك الغماد»، وإنما ورد ذكرُها عند ابن إسحاق في كلمة مقداد الآتية. وأخرجها مسلم (١٧٧٩) بنحوها من حديث أنس ولكنه جعل المتكلم سعدَ بن عُبادة، وفيه نظر لأنه لم يشهد بدرًا. انظر: «الفتح» (٧/ ٢٨٨).