للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجهني وعَدِيَّ بن الزَّغْباء (١) إلى بدرٍ يتجسَّسان أخبار العِير.

وأما أبو سفيان فإنه بلغه مخرجُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقَصْدُه إياه، فاستأجر ضَمْضَم بن عمرٍو الغِفاري إلى مكة مستصرخًا لقريش بالنَّفِير إلى عِيرهم ليمنعوه من محمد وأصحابه، وبلغ الصريخ أهلَ (٢) مكة فنهضوا مُسرِعين، وأَوعبوا في الخروج ولم يتخلَّف من أشرافهم أحدٌ سوى أبي لهب فإنه عوَّض عنه رجلًا كان له عليه دَين، وحشدوا فيمن حولَهم من قبائل العرب، ولم يتخلَّف عنهم أحدٌ من بطون قريشٍ إلا بني عدي فلم يخرج معهم منهم أحد، وخرجوا من ديارهم كما قال تعالى: {بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: ٤٧]، وأقبلوا كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحَدِّهم وحديدهم تُحادُّه وتحادُّ رسولَه (٣)، وجاؤوا على حَرْدٍ قادرين، وعلى حميَّةٍ وغضب وحَنَقٍ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لِما يريدون مِن أخذِ عيرهم وقتلِ مَن فيها، وقد أصابوا بِالأَمسِ عمرَو بن الحضرمي والعِيرَ التي كانت معه؛ فجمعهم الله على غير ميعادٍ كما قال تعالى: {وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ} [الأنفال: ٤٢].

ولمَّا بلغ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خروجَ قريشٍ استشار أصحابه، فتكلم المهاجرون فأحسنوا، ثم استشارهم ثانيًا فتكلم المهاجرون فأحسنوا، ثم


(١) ث: «عدي بن أبي الزغباء»، وهو الأشهر في نسبه كما في عامّة كتب المغازي. وانظر: «الاستيعاب» (٣/ ١٠٥٩).
(٢) ث، ز، ع: «إلى». والمثبت في هامش ز مصححًا عليه.
(٣) يشير إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعائه: «اللهم هذه قريش قد جاءت بخُيلائها وفخرها تحادُّك وتكذّب رسولك ... »، وسيأتي.