للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- وقال عبد الله بن المبارك: هو مجاهدة النفس والهوى.

ولم يُصِب من قال: إن الآيتين منسوختان لظنِّه أنهما تضمَّنتا (١) الأمرَ بما لا يطاق. وحقُّ تقاته وحقُّ جهاده: هو ما يُطيقه كلُّ عبد في نفسه، وذلك يختلف باختلاف أحوال المكلَّفين في القدرة والعجز والعلم والجهل، فحقُّ التقوى وحقُّ الجهاد بالنسبة إلى القادر المتمكن العالم شيء، وبالنسبة إلى العاجز الجاهل والضعيف شيء.

وتأمَّلْ كيف عَقَّب الأمرَ بذلك بقوله: {اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ} [الحج: ٧٨]ــ والحرج: الضيق ــ، بل جعله واسعًا يَسَعُه كلُّ أحدٍ كما جعل رزقَه يسعُ كلَّ حيٍّ، فكلَّف العبد ما (٢) يسعه العبدُ ورزق العبدَ ما يسعُ العبدَ، فهو يسع تكليفَه ويسعه رزقُه، وما جعل على عبده في الدين من حرج بوجهٍ ما؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بُعثِتُ بالحنيفيَّةِ السَّمْحة» (٣) أي: بالملة، فهي حنيفيَّة في التوحيد سمحة في العمل.

وقد وسَّع سبحانه على عباده غايةَ التوسعة في دينه ورزقه وعفوه


(١) م، ق، ب، ج: «تضمَّنا».
(٢) م، ب، ك، ع: «وكلَّف العبد بما».
(٣) أخرجه أحمد (٢٢٢٩١) من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف. وله عدّة شواهد مسندة ومرسلة يصحُّ بها، منها حديث عائشة عند أحمد (٢٤٨٥٥) بنحوه، وحديث ابن عباس عند أحمد (٢١٠٧) والبخاري في «الأدب المفرد» (٢٨٧) بلفظ: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: «الحنيفية السمحة»، وقد علّقه البخاري في كتاب الإيمان فقال: «باب الدين يسر وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة». وانظر: «تغليق التعليق» (٢/ ٤١ - ٤٣).