للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: «يا رسول الله، أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه؟»، لا جواب لهذه المسألة، لأنه إن أراد أقصى مدة الدنيا وانتهائها فلا يعلمه إلا الله، وإن أراد أقصى ما نحن منتهون إليه بعد دخول الجنة والنار فلا تعلم نفس أقصى ما تنتهي إليه من ذلك وإن كان الانتهاءُ إلى نعيمٍ وجحيمٍ؛ ولهذا لم يجبه النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقوله في عقد البيعة: «وزِيال (١) المشرك» أي: مفارقته ومعاداته، فلا يجاوره ولا يواليه، كما في الحديث الذي في «السنن» (٢): «لا تراءى ناراهما» يعني المسلمين والمشركين.

وقوله: «حيثما مررت بقبر كافرٍ فقل: أرسلني إليك محمد» هذا إرسالُ تقريعٍ وتوبيخٍ، لا تبليغُ أمرٍ ونهيٍ. وفيه دليل على سماع أصحابِ القبور كلامَ الأحياء وخطابَهم لهم، ودليل على أن من مات مشركًا فهو في النار وإن مات قبلَ البِعثة، لأن المشركين كانوا قد غيَّروا الحنيفية دينَ إبراهيمَ واستبدلوا بها الشرك وارتكبوه، وليس معهم حجة من الله به، وقُبْحُه والوعيد عليه بالنار لم يزل معلومًا مِن دين الرسل كلِّهم مِن أولهم إلى آخرهم، وأخبارُ عقوباتِ الله لأهله متداولة بين الأمم قرنًا بعد قرن، فلِلَّه الحجة البالغة على المشركين في كل وقتٍ، ولو لم يكن إلا ما فطر عبادَه عليه من توحيد ربوبيته المستلزِمِ لتوحيد إلهيَّته، وأنه يستحيل في كل فطرةٍ وعقلٍ أن يكون معه إلهٌ آخر، وإن


(١) ف، ز: «وزوال»، سبق قلم، وقد سبق على الصواب في الحديث. والزِّيال هو المُزايلة على غرار القِتال والمقاتلة.
(٢) أبوداود (٢٦٤٥) والترمذي (١٦٠٤، ١٦٠٥) والنسائي (٤٧٨٠) مسندًا ومرسلًا. وقد سبق تخريجه (ص ... ) وبيان أن المرسل هو المحفوظ.