للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأثبتت طائفة من السلف الولادة في الجنة، واحتجت بما رواه الترمذي في «جامعه» (١) من حديث أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن إذا اشتهى الولدَ في الجنة كان حملُه ووضعُه وسِنُّه في ساعة كما يشتهي». قال الترمذي: «حسن غريب»، ورواه ابن ماجه.

قالت الطائفة الأولى: هذا لا يدل على وقوع الولادة في الجنة، فإنه علَّقه بالشرط فقال: «إذا اشتهى»، ولكنه لا يشتهي، وهذا تأويل إسحاق بن راهويه حكاه البخاري عنه (٢). قالوا: والجنة دار جزاء على الأعمال، وهؤلاء ليسوا من أهل الجزاء. قالوا: والجنة دار خلود لا موت فيها، فلو توالَدَ فيها أهلُها على الدوام والأبد لما وسعتهم، وإنما وسعتهم الدنيا بالموت.

وأجابت الطائفة الأخرى عن ذلك كله وقالت: أداة (إذا) إنما تكون لمحقَّق الوقوع لا للمشكوك فيه، وقد صحَّ أن الله سبحانه ينشئ للجنة خلقًا يُسكنهم إياها بلا عمل منهم، قالوا: وأطفال المسلمين أيضًا فيها بغير عمل. وأما حديث سَعَتها، فلو رُزق كلٌّ منهم عشرة آلافٍ من الولد وَسِعَتْهم، فإن أدناهم من ينظر في ملكه مسيرة ألفي عام (٣).


(١) برقم (٢٥٦٣)، وأخرجه أيضًا الدارمي (٢٨٧٦) وابن ماجه (٤٣٣٨) وابن حبان (٧٤٠٤). قال المؤلف في «حادي الأرواح» (١/ ٥٢٨): «إسناده على شرط الصحيح، فرجاله محتجٌّ بهم فيه، لكن غريب جدًّا».
(٢) ثم عنه الترمذي في «جامعه» عقب الحديث.
(٣) وانظر: «حادي الأرواح» (الباب السادس والخمسين).