للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتعالى تلك الليلة في منامه (١). وعلى هذا بنى الإمام أحمد وقال: نعم رآه، فإن (٢) رؤيا الأنبياء حق ولا بد، ولكن لم يقل أحمد: إنه رآه بعينَي رأسه يقظةً، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن مرةً قال: رآه، ومرةً قال: رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه: أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوصه موجودة ليس فيها ذلك.

وأما قول ابن عباس: إنه رآه بفؤاده مرتين، فإن كان استناده إلى قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: ١١]، ثم قال: {وَلَقَدْ رَأَىهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: ١٣]، والظاهر أنه مستنده (٣) = فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أن هذا المرئي جبريل رآه مرتين في صورته التي خُلِق عليها (٤). وقول ابن عباس هذا هو مستند الإمام أحمد في قوله: رآه بفؤاده، والله أعلم.


(١) هو حديث اختصام الملأ الأعلى. أخرجه أحمد (٢٢١٠٩) والترمذي (٣٢٣٥) من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه -. قال الترمذي: حسن صحيح، ونقل عن شيخه أبي عبد الله البخاري أنه قال مثل ذلك. وقد روي الحديث أيضًا عن ابن عباس وأنس وثوبان وغيرهم، ولكن لا يصح منها شيء. وروي من مراسيل عبد الرحمن بن عائش، وطارق بن شهاب، وعبد الرحمن بن سابط بأسانيد حسان. انظر: «العلل» للدارقطني (٩٧٣) و «أنيس الساري» (١١/ ١١٩٩ - ١٢١٤).
ولابن رجب رسالة في شرح هذا الحديث الجليل سمَّاها: «اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى» وهي مطبوعة.
(٢) «فإن» سقطت من ق، وتصحفت في ك، ع إلى «قال».
(٣) كما يدل عليه ما أخرجه ابن أبي شيبة (٣٢٤٦٣) والطبري (٢٢/ ٢٢ - ٢٤).
(٤) أخرجه مسلم (١٧٧/ ٢٨٧) عن عائشة مرفوعًا. وقد سبق أن ذلك أيضًا قول ابن مسعود وأبي هريرة موقوفًا عليهما.