للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الحديث وهمٌ إن كان محفوظًا عنها، فإنَّ هذا لم يقع قطُّ، فإنَّه اعتمر أربع عمرٍ بلا ريبٍ: العمرة الأولى كانت في ذي القعدة عمرة الحديبية، ثمَّ لم يعتمر إلى العام القابل، عمرة القضيَّة في ذي القعدة (١)، ثمَّ رجع إلى المدينة ولم يخرج إلى مكَّة حتَّى (٢) فتحها سنة ثمانٍ في رمضان، ولم يعتمر ذلك العام، ثمَّ خرج إلى حنينٍ وهزم الله عدوَّه، فرجع إلى مكَّة وأحرم بعمرةٍ، وكان ذلك في ذي القعدة كما قال أنس وابن عبَّاسٍ، فمتى اعتمر في شوَّالٍ؟ ولكن لقي العدوَّ في شوَّالٍ وخرج فيه من مكَّة، وقضى عمرته لمَّا فرغ من أمر العدوِّ في ذي القعدة ليلًا، ولم يجمع ذلك العام بين عمرتين ولا قبله ولا بعده، ومن له عنايةٌ بأيَّامه وسيرته وأحواله لا يشكُّ ولا يرتاب في ذلك.

فإن قيل: فبأيِّ شيءٍ يستحبُّون العمرة في السَّنة مرارًا إذا (٣) لم يُثبِتوا ذلك عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -؟

قيل (٤): قد اختُلِف في هذه المسألة، فقال مالك: أكره أن يعتمر في السَّنة أكثر من عمرةٍ واحدةٍ، وخالفه مُطرِّف من أصحابه وابن الموَّاز، فقال مطرِّف: لا بأس بالعمرة في السَّنة مرارًا، وقال ابن الموَّاز: أرجو أن لا يكون به بأسٌ، وقد اعتمرت عائشة مرَّتين في شهرٍ، ولا أرى أن يُمنع أحدٌ من التَّقرُّب إلى


(١) «عمرة الحديبية ... ذي القعدة» ساقطة من ص بسبب انتقال النظر.
(٢) ك: «إلى حين».
(٣) ص، ج: «إذ». وليست في ب.
(٤) ينظر: «مجموع الفتاوى» (٢٦/ ٢٦٧ وما بعدها).