للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيه دليل على أنه سبحانه خالق أفعال العباد وأخلاقهم كما هو خالق ذواتهم وصفاتهم، فالعبد كلُّه مخلوقٌ ذاتُه وصفاته وأفعاله، ومن أخرج أفعاله عن خلق الله فقد جعل فيه خالقًا مع الله، ولهذا شبَّه السلف القدرية النفاة بالمجوس، وقالوا: هم مجوس هذه الأمة، صحَّ ذلك عن ابن عباس (١).

وفيه إثبات الجَبْل لا الجبر لله تعالى، وأنه يجبُل عبدَه على ما يريد كما جبل الأشج على الحلم والأناة، وهما فعلان ناشئان عن خلقين في النفس. فهو سبحانه الذي جبل العبد على أخلاقه وأفعاله، ولهذا قال الأوزاعي وغيره من أئمة السلف: «نقول إن الله جبل العباد على أعمالهم، ولا نقول جبرهم عليها» (٢). وهذا من كمال علم الأئمة ودقيق نظرهم، فإن الجبر أن يَحمل العبدَ على خلاف مراده، كجبر البكر الصغيرة على النكاح وجبر الحاكم مَن عليه الحقُّ على أدائه، واللهُ سبحانه أقدر من أن يُجبر عبدَه (٣)، ولكنه يَجبُله على أن يفعل ما يشاء الربُّ بإرادة عبدِه واختياره ومشيئته؛ فهذا لون والجبر لون.


(١) لم أجده مرويًّا عن ابن عباس إلا عند هبة الله اللالكائي في «شرح السنة» (١٢٨٦) بإسناد واه. وإنما صحّ ذلك عن ابن عمر؛ أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (٩٣٥) واللالكائي (١٢٩٢) والبيهقي في «القدر» (٤١٠) وصححه. وقد روي عن ابن عمر مرفوعًا ولا يصحّ. انظر: «العلل» للدارقطني (٢٩٨٣).
(٢) أخرجه الخلال في «السنة» بتحقيق عادل آل حمدان (٩١٣، ٩١٦) عن سفيان الثوري والأوزاعي ومحمد بن الوليد الزُّبَيدي بمعناه.
(٣) زِيد بعده في ن، والنسخ المطبوعة: «بهذا المعنى».