للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معه. فقال: «هذه مكان عمرتك».

قالوا: فهذا يدلُّ على أنَّها كانت متمتِّعةً، وعلى أنَّها رفضت عمرتها وأحرمت بالحجِّ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «دَعِي عمرتك»، ولقوله: «انقُضي رأسَك وامتشطي». ولو كانت باقيةً على إحرامها لما جاز لها أن تمتشط، ولأنَّه قال للعمرة الَّتي أتت بها من التَّنعيم: «هذه مكان عمرتك». ولو كانت عمرتها الأولى باقيةً لم تكن هذه مكانها، بل كانت عمرةً مستقلَّةً.

قال الجمهور: لو تأمَّلتم قصَّة عائشة حقَّ التَّأمُّل، وجمعتم بين طرقها وأطرافها، لتبيَّن لكم أنَّها قرنَتْ ولم ترفض العمرة، ففي «صحيح مسلم» (١) عن جابر قال: أقبلتْ عائشة بعمرةٍ، حتَّى إذا كانت بسَرِف عَرَكتْ (٢)، ثمَّ دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عائشة فوجدها تبكي، فقال: «ما شأنُكِ؟»، قالت: شأني أنِّي قد حضتُ، وقد حلَّ النَّاس ولم أحلَّ، ولم أطفُ بالبيت، والنَّاس يذهبون إلى الحجِّ الآن، فقال: «إنَّ هذا أمرٌ كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي، ثمَّ أهلِّي بالحجِّ». ففعلتْ ووقفتِ المواقفَ، حتَّى إذا طهرتْ طافت بالكعبة وبالصَّفا والمروة، ثمَّ قال: «قد حللت من حجِّك وعمرتك»، قالت: يا رسول الله، إنِّي أجدُ في نفسي أنِّي لم أطفْ بالبيت حتَّى حججتُ. قال: «فاذهبْ بها يا عبد الرحمن، فأَعمِرْها من التَّنعيم».

وفي «صحيح مسلم» (٣) من حديث طاوسٍ عنها: أهللتُ بعمرةٍ، فقدِمتُ


(١) برقم (١٢١٣/ ١٣٦).
(٢) أي حاضت.
(٣) برقم (١٢١١/ ١٣٢).