للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، قال: «ما يبكيك؟»، قالت: فقلت: والله لوددتُ أن لا أحجَّ العامَ ... ، فذكر الحديث. وفيه: فلمَّا قدِمنا مكَّة قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اجعلوها عمرةً»، قالت: فحلَّ النَّاس إلا من كان معه الهدي (١).

وكلُّ هذه الألفاظ في «الصَّحيح»، وهذا موافقٌ لما رواه جابر، وابن عمر، وأنس، وأبو موسى، وابن عبَّاسٍ، وأبو سعيد، وأسماء، والبراء، وحفصة، وغيرهم من أَمْره - صلى الله عليه وسلم - أصحابه كلَّهم بالإحلال إلا من ساق الهدي، وأن يجعلوا حجَّهم عمرةً. وفي اتِّفاق هؤلاء كلِّهم على أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه كلَّهم أن يحلُّوا، وأن يجعلوا الذي قدِموا به متعةً إلا من ساق الهدي= دليلٌ على غلطِ هذه الرِّواية ووهمٍ وقع فيها، يبيِّن ذلك أنَّها من رواية الليث عن عُقيل عن الزُّهريِّ عن عروة، والليث نفسه هو الذي روى (٢) عن عُقيل عن الزُّهريِّ عن عروة عنها مثل ما رواه عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه في تمتُّع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأمرِه مَن لم يكن أهدى أن يحلَّ.

ثمَّ تأمَّلنا، فإذا أحاديث عائشة يصدِّق بعضها بعضًا، وإنَّما بعض الرُّواة زاد على بعضٍ، وبعضهم اختصر الحديث، وبعضهم اقتصر على بعضه، وبعضهم رواه بالمعنى. والحديث المذكور ليس فيه منعُ من أهلَّ بالحجِّ من الإحلال، وإنَّما فيه أمره أن يتمَّ الحجَّ. فإن كان هذا محفوظًا والمراد به بقاؤه على إحرامه، فيتعيَّن أن يكون هذا قبل الأمر بالإحلال وجَعْلِه عمرةً، ويكون هذا أمرًا زائدًا قد طرأ على الأمر بالإتمام، كما طرأ على التَّخيير بين الإفراد والتَّمتُّع والقران، ويتعيَّن هذا ولا بدَّ، وإلَّا كان هذا ناسخًا للأمر بالفسخ،


(١) رواه مسلم (١٢١١/ ١٢٠).
(٢) ص: «يروي».