للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا يُفرَّق بينهما فيه. ولكنِ الشَّيخ أبو محمد لمَّا رأى قولها في المتمتِّعين: «إنَّهم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منًى»، قال: ليس في هذا ما يدلُّ على أنَّهم طافوا طوافين. والَّذي قاله حقٌّ، ولكنه لم يرفع الإشكال، فقالت طائفةٌ: هذه الزِّيادة من كلام عروة أو ابنه هشام أُدرِجتْ في الحديث. وهذا لا يتبيَّن، ولو كان فغايته أنَّه مرسلٌ، ولم يرتفع الإشكال عنه بالإرسال.

فالصَّواب: أنَّ الطَّواف الذي أخبرت به عائشة، وفرَّقتْ به بين المتمتِّع والقارن، هو الطَّواف بين الصَّفا والمروة لا الطَّواف بالبيت، وزال الإشكال جملةً، فأخبرتْ عن القارنين أنَّهم اكتفَوا بطوافٍ واحدٍ بينهما، لم يضيفوا إليه طوافًا آخر يوم النَّحر، وهذا هو الحقُّ، وأخبرتْ عن المتمتِّعين أنَّهم طافوا بينهما طوافًا آخر بعد الرُّجوع من منًى للحجِّ، وذلك الأوَّل كان للعمرة. وهذا قول الجمهور، وتنزيلُ الحديث على هذا موافقٌ لحديثها الآخر، وهو قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «يَسعُكِ طوافك بالبيت وبين الصَّفا والمروة لحجِّك وعمرتك»، وكانت قارنةً، ويوافق قول الجمهور.

لكن يُشكِل عليه حديث جابر الذي رواه مسلم في «صحيحه» (١): «لم يطف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه بين الصَّفا والمروة إلا طوافًا واحدًا، طوافه الأوَّل». وهذا يوافق قول من يقول: يكفي المتمتِّعَ سعيٌ واحدٌ، كما هو إحدى الرِّوايتين عن أحمد، نصَّ عليها في رواية (٢) ابنه عبد الله (٣) وغيره (٤).


(١) برقم (١٢١٥) , وقد تقدم.
(٢) ك، ج: «مناسك».
(٣) انظر: «مسائله» (ص ٢٠١).
(٤) «وغيره» ليست في ك، ج. وانظر رواية المروذي عن أحمد في «التعليقة» (٢/ ٦٤).