للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تحسينه، وقال الترمذي في كتاب «العلل» (١): سألتُ محمَّدًا ــ يعني البخاريَّ ــ عن هذا الحديث فقال: هذا حديثٌ صحيحٌ، رواه غير واحدٍ عن ابن إسحاق.

فإن كان مراد البخاريِّ صحته عن ابن إسحاق لم يدلَّ على صحَّته في نفسه، وإن كان مراده صحَّته في نفسه فهي واقعةُ عينٍ، حكمُها حكمُ حديث ابن عمر لمَّا رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجتَه مستدبرَ الكعبة (٢). وهذا يحتمل وجوهًا ستَّةً: نسخُ النهي به، وعكسه، وتخصيصه به - صلى الله عليه وسلم -، وتخصيصه بالبنيان، وأن يكون لعذرٍ اقتضاه (٣) المكان أو غيره، وأن يكون بيانًا لأنَّ النَّهي ليس على التَّحريم. ولا سبيلَ إلى الجزم بواحدٍ من هذه الوجوه على التَّعيين، وإن كان حديث جابر لا يحتمل الوجه الثَّاني منها، فلا سبيلَ إلى ترك أحاديث النَّهي الصَّحيحة الصَّريحة المستفيضة بهذا المحتمل.

وقول ابن عمر إنَّما نُهِي عن ذلك في الصَّحراء، فَهْمٌ منه لاختصاص النَّهي بها، وليس بحكاية لفظ النَّهي، وهو مُعارَضٌ بفهم أبي أيوب (٤) للعموم، مع سلامة قول أصحاب العموم من التَّناقض الذي يَلزم المفرِّقين بين الفضاء والبنيان، فإنَّه يُقال لهم: ما حدُّ الحاجز الذي يجوز ذلك معه في البنيان؟ ولا سبيلَ إلى ذكر حدٍّ فاصلٍ. وإن جعلوا مطلقَ البنيان مجوِّزًا لذلك لزِمَهم جوازه في الفضاء الذي يحول بين البائل وبينه جبلٌ قريبٌ أو بعيدٌ، كنظيره في البنيان.


(١) (ص ٢٣).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) «النهي به ... اقتضاه» ساقطة من المطبوع، فاختلَّ السياق.
(٤) تقدم تخريجه.