للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقولوا: وعليكم» (١)، فهذا تنبيهٌ منه على وجوب الواو في الردِّ على أهل الإسلام، فإنَّ الواو في مثل هذا الكلام تقتضي تقرير الأوَّل وإثبات الثَّاني، فإذا أمر بالواو في الردِّ على أهل الكتاب الذين يقولون: السَّام عليكم، فقال: «إذا سلَّم عليكم أهلُ الكتاب فقولوا: وعليكم» = فذِكْرُها في الرَّدِّ على المسلمين أولى وأحرى.

وذهبت طائفةٌ أخرى إلى أنَّ ذلك ردٌّ صحيحٌ، كما لو كان بالواو، ونصَّ عليه الشَّافعيُّ في كتابه الكبير (٢)، واحتجَّ لهذا القول بقوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [الذاريات: ٢٤ - ٢٥]، أي: سلامٌ عليكم، لا بدَّ من هذا، ولكن حَسُنَ الحذف في الردِّ لأجل الحذف في الابتداء.

واحتجُّوا بما في «الصَّحيحين» (٣) عن أبي هريرة عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «خلق الله آدمَ طولُه ستُّون ذراعًا، فلمَّا خلقه قال له: اذهَبْ فسلِّم على أولئك النَّفر من الملائكة، فاستمِعْ ما يُحيُّونك، فإنَّها تحيَّتك وتحيَّة ذرِّيَّتك، فقال: السَّلام عليكم، فقالوا: السَّلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة اللَّه». فقد أخبر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ هذا تحيَّته وتحيَّة ذرِّيَّته.

قالوا: ولأنَّ المسلَّم عليه مأمورٌ أن يُحيِّي المسلِّمَ بمثل تحيَّته عدلًا،


(١) رواه البخاري (٦٢٥٨) ومسلم (٢١٦٣) من حديث أنس - رضي الله عنه -.
(٢) أي كتاب «الأم»، كما عزاه إليه النووي في «المجموع» (٤/ ٥٩٦). ولم أجده في المطبوع من «الأم».
(٣) رواه البخاري (٦٢٢٧) ومسلم (٢٨٤١).