للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لمَّا ساروا إلى بني قُريظة قال: «لا تبدؤوهم بالسَّلام»، فهل هذا حكمٌ عامٌّ لأهل الذمَّة مطلقًا، أو يختصُّ بمن كانت حاله كحال أولئك؟ هذا موضع نظرٍ، ولكن قد روى مسلم في «صحيحه» (١) من حديث أبي هريرة أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تبدؤوا اليهود والنَّصارى بالسَّلام، وإذا لقيتم أحدَهم في الطَّريق فاضطرُّوه إلى أضيقِه»، والظَّاهر أنَّ هذا حكمٌ عامٌّ.

وقد اختلف السَّلف والخلف في ذلك (٢)، فقال أكثرهم: لا يُبْدَؤون (٣) بالسَّلام، وذهب آخرون إلى جواز ابتدائهم كما يردُّ عليهم، رُوي ذلك عن ابن عبَّاسٍ وأبي أمامة وابن مُحَيرِيز (٤)، وهو وجهٌ في مذهب الشَّافعيِّ. لكن صاحب هذا الوجه قال: يقال له: السَّلام عليك فقط بدون ذكر الرَّحمة، وبلفظ الإفراد. وقالت طائفةٌ: يجوز الابتداء لمصلحةٍ راجحةٍ من حاجةٍ تكون له إليه، أو خوفٍ من أذاه، أو لقرابةٍ بينهما، أو لسببٍ يقتضي ذلك، يُروى ذلك عن إبراهيم النَّخعيِّ وعلقمة. وقال الأوزاعيُّ: إن سلَّمتَ فقد سلَّم الصَّالحون، وإن تركتَ فقد ترك الصَّالحون.

واختلفوا في وجوب (٥) الردِّ عليهم، فالجمهور على وجوبه، وهو


(١) برقم (٢١٦٧)، ورواه أيضًا الترمذي (١٦٠٢) واللفظ له.
(٢) انظر في هذا الموضوع: «التمهيد» (١٧/ ٩١ - ٩٤)، و «المجموع» (٤/ ٦٠٥، ٦٠٦)، و «شرح صحيح مسلم» للنووي (١٤/ ١٤٥)، و «الفتح» (١١/ ٤٥).
(٣) ك: «لا تبدأوهم».
(٤) ق، ب، م، مب: «أبي محيريز»، خطأ. وهو عبد الله بن محيريز.
(٥) «وجوب» ليست في ك.