للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاستخارة قبله، والرِّضى بما يقضي الله له بعده، وهما عنوان السَّعادة. وعنوانُ الشَّقاء أن يكتنفه تركُ التَّوكُّل والاستخارةِ قبله، والسَّخطُ بعده. فالتَّوكُّل قبل القضاء، فإذا أُبرِم القضاء وتمَّ انتقلت العبوديَّة إلى الرِّضى بعده، كما في «المسند» والنَّسائيِّ (١) في الدُّعاء المشهور: «وأسألك الرِّضى بعد القضاء». وهذا أبلغ من الرِّضى بالقضاء، فإنَّه قد يكون عزمًا، فإذا وقع القضاء تنحلُّ العزيمة، وإذا حصل الرِّضى (٢) بعد القضاء كان حالًا أو مقامًا.

والمقصود أنَّ الاستخارة توكُّلٌ على الله، وتفويضٌ إليه، واستقسامٌ بقدرته وعلمه (٣) وحسنِ اختياره لعبده، وهي من لوازم الرِّضى به ربًّا (٤)، الذي لا يذوق طعمَ الإسلام من لم يكن كذلك، فإن رضيَ بالمقدور بعدها فذلك علامة سعادته.

وذكر البيهقي (٥) وغيره عن أنس قال: لم يُرِد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سفرًا قطُّ إلا قال حين ينهض من جلوسه: «اللَّهمَّ بك انتشرتُ، وإليك توجَّهتُ (٦)، وبك اعتصمتُ، وعليك توكَّلتُ. اللَّهمَّ أنت ثقتي، وأنت رجائي. اللَّهمَّ


(١) أحمد (١٨٣٢٥) والنسائي (١٣٠٥) من حديث عمار بن ياسر- رضي الله عنه -، والحديث صححه الحاكم (١/ ٥٢٤) والألباني في «تخريج الكلم الطيب» (ص ١٠٩ - ١١٠).
(٢) «الرضى» ليست في ص.
(٣) ج: «بعلمه وقدرته».
(٤) ص، ج: «أما».
(٥) (٥/ ٢٥٠)، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠/ ١٣٠): «وفيه عمر بن مساور، وهو ضعيف» انتهى. وفيه أيضًا عنعنة الحسن البصري، ولم يصرح بالتحديث.
(٦) م، مب: «وجهت».