للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبادر زيد بن حارثة حِبُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان غلامًا لخديجة فوهبَتْه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما تزوَّجها، وقَدِم أبوه وعمُّه في فدائه فسألا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل: هو في المسجد، فدخلا عليه فقالا: يا ابنَ عبد المطلب، يا ابنَ هاشم، يا ابنَ سيِّدِ قومه، أنتم أهل حرم الله وجيرانه، تفكُّون العاني وتُطعمون الأسير، جئناك في ابننا (١) عندك، فامنُنْ علينا وأحسِنْ إلينا في فدائه، قال: «من هو؟» قالوا: زيد بن حارثة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فهَّلا غير ذلك؟» قالوا: ما هو؟ قال: «أدعوه فأخيِّرُه، فإن اختاركم فهو لكم، وإن اختارني فواللهِ ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدًا»، قالا: قد زِدتَنا (٢) على النَّصَف وأحسنت، فدعاه فقال: «هل تعرف هؤلاء؟» قال: نعم، قال: «من هذا؟» قال: هذا أبي وهذا عمي، قال: «فأنا مَن قد علمتَ ورأيتَ صحبتي لك، فاختَرْني أو اخترهما»، قال: ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا، أنت مني مكانَ الأب والعمِّ، فقالا: ويحك يا زيد! أتختار العُبودية على الحرية وعلى أبيك وعمِّك وعلى أهل بيتك؟! قال: نعم، قد رأيتُ من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا أبدًا، فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك أخرجه إلى الحِجر فقال: «أشهدكم أن زيدًا ابني يرثني وأرثه»، فلما رأى ذلك أبوه وعمُّه طابت نفوسهما فانصرفا، ودُعي زيدَ بن محمَّدٍ حتى جاء الله (٣) بالإسلام فنزلت {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: ٥]، فدُعي يومئذ: زيدَ بن حارثة (٤).


(١) ز: «ابن لنا».
(٢) المطبوع: «رددتنا»، تصحيف.
(٣) لفظ الجلالة سقط من م، ق، ب.
(٤) أخرج القصة بهذا السياق ابن سعد في «الطبقات» (٣/ ٣٩ - ٤١) والزبير بن بكّار ــ كما في «الاستيعاب» (٢/ ٥٤٣ - ٥٤٥) واللفظ له ــ كلاهما من طريق ابن الكلبي عن أبيه وعن جميل بن مرثد الطائي وغيرهما .. وابن الكلبي ــ هشام بن محمد بن السائب ــ أخباريٌّ نسَّابة، لكنه متروك الحديث كأبيه، وجميل بن مرثد لم أعرفه.
ورويت القصة من وجه آخر بسياق أطول، أخرجها تمَّام (١٢٠٠) والحاكم (٣/ ٢١٣) من طريق يحيى بن أيوب بن أبي عقال بن زيد بن حسن بن أسامة بن زيد بن حارثة، عن عمِّه زيد بن أبي عقال، عن أبيه، عن آبائه. قال الحافظ في «الإصابة» (١/ ٦١٥): رجال إسناده مجهولون.