للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جنس ما تباشر بعد المفارقة، وكان حالها في ذلك كحالها بعد المفارقة في صعودها إلى السماوات سماءً سماءً حتى يُنتهى بها إلى السماء السابعة فتقف بين يدي الله عز وجل فيأمر فيها بما يشاء ثم تنزل إلى الأرض، والذي كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء أكمل مما يحصل للروح عند المفارقة.

ومعلوم أن هذا أمر فوق ما يراه النائم، لكن لما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مقام خرق العوائد حتى يُشقَّ بطنه وهو حي لا يتألم بذلك= عُرِج بذات روحه المقدَّسة حقيقةً من غير إماتة، ومَن سواه لا تَنال ذاتُ روحه الصعودَ إلى السماء إلا بعد الموت والمفارقة، فالأنبياء إنما استقرَّت أرواحُهم هناك بعد مفارقة الأبدان، وروح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صعدت إلى هناك في حال الحياة ثم عادت، وبعد وفاته استقرت في الرفيق الأعلى مع أرواح الأنبياء، ومع هذا فلها (١) إشرافٌ على البدن وإشراقٌ وتعلُّقٌ به بحيث يردّ السلام على من سلَّم عليه.

وبهذا التعلُّق رأى موسى قائمًا يُصلي في قبره (٢) ورآه في السماء السادسة، ومعلوم أنه لم يُعرَج بموسى من قبره ثم رُدَّ إليه، بل ذلك مقام روحه واستقرارها، وقبرُه مقام بدنه واستقراره إلى يوم معاد الأرواح إلى أجسادها؛ فرآه يصلي في قبره ورآه في السماء السادسة، كما أنه هو - صلى الله عليه وسلم - في أعلى مكان في الرفيق الأعلى مستقِرًّا هناك وبدنُه في ضريحه غير مفقود، وإذا سلّم عليه المُسلِّم رد الله عليه روحه حتى يردَّ عليه السلام ولم يفارق الملأ الأعلى.

ومن كَثُف إدراكُه وغَلُظت طباعُه عن إدراك هذا فلينظر إلى الشمس في علو محلِّها، وتعلُّقها وتأثيرها في الأرض، وحياة النبات والحيوان بها؛ هذا


(١) ز: «فلهذا»، تصحيف.
(٢) كما في حديث أنس عند مسلم (٢٣٧٥) وغيره.