للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالوا: أيكم يأخذ هذه الرحا ويصعد فيُلْقِيها على رأسه يَشْدَخُه بها؟ فقال أشقاها (١) عمرو بن جحاش: أنا، فقال لهم سلَّام بن مِشْكَم: لا تفعلوا، فواللهِ لَيُخبَرَنَّ بما هممتم به، وإنه لنَقْضُ العهد الذي بيننا وبينه، وجاء الوحي على الفور إليه مِن ربِّه تبارك وتعالى بما همُّوا به، فنهض مسرعًا وتوجَّه إلى المدينة، ولحقه أصحابه فقالوا: نهضتَ ولم نشعر بك، فأخبرهم بما همَّت يهودُ به (٢).

وبعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن: «اخرُجوا من المدينة، ولا تساكنوني بها، وقد أجَّلتُكم عشرًا، فمن وُجد بعد ذلك بها ضُرِبت عنقه»، فأقاموا أيَّامًا يتجهَّزون، وأرسل إليهم المنافقُ عبدُ الله بن أبي أن: لا تخرجوا مِن دياركم، فإن معي ألفين يدخلون معكم حِصنكم فيموتون دونكم، وتنصركم قريظةُ وحلفاؤكم من غطفان، وطمع رئيسهم حُيَيُّ بن أخطب فيما قال له وبعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنعْ ما بدا لك! فكبَّر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه (٣) ونهضوا إليه، وعليُّ بن أبي طالب يحمل اللواء، فلما انتهى إليهم قاموا على حصونهم يرمونه بالنبل والحجارة، واعتزلتهم قريظةُ وخانهم ابنُ أبيٍّ وحلفاؤهم من غطفان، ولهذا شبه سبحانه قصتهم وجعل


(١) أي أشقى القبيلة. وفي المطبوع: «أشقاهم» خلافًا للأصول.
(٢) ما ذكره المؤلف من سبب غزوة بني النضير وإجلائهم هو الذي ذكره موسى بن عقبة كما في «الدلائل» (٣/ ١٨٠)، وابن إسحاق عن يزيد بن رُومان مرسلًا كما في «سيرة ابن هشام» (٢/ ١٩٠)، والواقدي (١/ ٣٦٤) عن شيوخه، وابنُ سعد في «طبقاته» (٢/ ٥٣). وروي في سببها قصة أخرى من غدرهم. انظر: «سنن أبي داود» (٣٠٠٤) و «فتح الباري» (٧/ ٣٣١).
(٣) م، ق، ب، ث: «وكبَّر أصحابه».