للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأحد أن يخلق ولا يختار سواه، فإنه سبحانه أعلم بمواقع اختياره، ومحالِّ رضاه، وما يصلح للاختيار مما لا يصلح له؛ وغيرُه لا يشاركه في ذلك بوجه.

وذهب بعض من لا تحقيق عنده ولا تحصيل إلى أن (ما) في قوله: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص: ٦٨] موصولة، وهي مفعول {وَيَخْتَارُ} أي: ويختار الذي لهم الخيرة (١). وهذا باطل من وجوه:

أحدها: أن الصلة حينئذ تخلو من العائد، لأن {الْخِيَرَةُ} مرفوع بأنه اسم كان، والخبر {لَهُمُ}، فيصير المعنى: ويختار الذي كان الخيرة لهم، وهذا التركيب محال من القول.

فإن قيل: يمكن تصحيحه بأن يكون العائد محذوفًا، ويكون التقدير: ويختار الذي كان لهم الخيرة فيه، أي ويختار الأمر الذي كان لهم الخيرة في اختياره.

قيل: هذا يفسد من وجه آخر، وهو أن هذا ليس من المواضع التي يجوز فيها حذف العائد، فإنه إنما يحذف مجرورًا إذا جُرَّ بحرفٍ جُرَّ الموصولُ بمثله مع اتحاد المعنى، نحو قوله تعالى: {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون: ٣٣] ونظائره. ولا يجوز أن يقال: جاءني الذي مررت، ورأيت الذي رغبت، ونحوه (٢).


(١) وهذا الذي اختاره ابن جرير في «تفسيره» (١٨/ ٢٩٩ - هجر)، ووصف القول الأول بأنه «قول لا يخفى فساده على ذي حِجًا من وجوه ... »! وانظر: «معاني الزجاج» (٤/ ١٥١) و «إيضاح الوقف والابتداء» لابن الأنباري (١/ ٨٢٤) و «تفسير القرطبي» (١٣/ ٣٠٥ - ٣٠٦).
(٢) فيه نظر، فإنَّ عائد الموصول المجرور يجوز حذفه إذا كان متعيِّنًا حتى لا يلتبس بغيره، كقوله تعالى: {لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ} أي: تأمرنا به؛ وقوله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} أي تؤمر به. انظر: «شرح الكافية» للرضي (٢/ ٢٢٢ - ٢٢٣).