للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى يميز أهل الإيمان من أهل النفاق كما ميزهم بالمحنة يوم أحد {كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ} الذي يميز فيه بين هؤلاء وهؤلاء، فإنهم يتميَّزُون في غيبه وعلمه، وهو سبحانه يريد أن يميزهم تمييزًا مشهودًا فيقع معلومُه الذي هو غيب شهادةً. وقوله: {اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا} استدراك لما نفاه من اطِّلاع خلقه على الغيب سوى الرسل، فإنه يطلعهم على ما يشاء من غيبه كما قال: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: ٢٦ - ٢٧]، فحظُّكم أنتم وسعادتكم في الإيمان بالغيب الذي يُطْلِع عليه رسلَه، فإن آمنتم به وأيقنتم فلكم أعظمُ الأجر والكرامة.

ومنها: استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السرَّاء والضرَّاء، وفيما يحبون وما يكرهون، وفي حال ظفرهم وظفر أعدائهم بهم (١)، فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون وما يكرهون فهم عبيده حقًّا، وليسوا كمن يعبد الله على حرفٍ واحد من السرَّاء والنعمة والعافية.

ومنها: أنه سبحانه لو نصرهم دائمًا، وأظفرهم بعدوِّهم في كل موطن، وجعل لهم التمكين والقهر لأعدائهم أبدًا= لطغت نفوسُهم وشَمَخت وارتفعت، فلو بسط لهم النصر والظفر لكانوا في الحال التي يكونون فيها لو بسط لهم الرزق، فلا يُصلح عبادَه إلا السرَّاءُ والضرَّاء والشدَّة والرخاء والقبض والبسط، فهو المدبر لأمر عباده كما يليق بحكمته، إنه بهم خبير بصير.

ومنها: أنه إذا امتحنهم بالغلبة والكَسْرَة والهزيمة ذَلُّوا وانكسروا وخضعوا، فاستوجبوا منه العزَّ والنصر، فإن خِلْعة النصرِ إنما تكون مع ولاية


(١) «بهم» ساقط من م، ق، ب، ث.