للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنادى في الناس وندبهم إلى المسير إلى لقاء عدوِّهم، وقال: «لا يخرج معنا إلا من شهد القتال»، فقال له عبد الله بن أُبَي: أركب معك؟ قال: «لا»، فاستجاب له المسلمون على ما بهم من القَرح الشديد والخوف وقالوا: سمعًا وطاعةً، واستأذنه جابر بن عبد الله وقال: يا رسول الله، إني أحب أن لا تشهد مشهدًا إلا كنت معك، وإنما خلَّفني أبي على بناته، فأْذَنْ لي أسيرَ (١) معك؛ فأذِنَ له (٢).

فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد (٣)، وأقبل معبد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم (٤)، فأمره أن يلحق بأبي سفيان فيُخَذِّلَه، فلحقه بالرَّوحاء ولم يعلم بإسلامه فقال: ما وراءك يا معبد؟ فقال: محمد وأصحابه قد تحرَّقوا عليكم وخرجوا في جمعٍ لم يخرجوا في مثله، وقد ندم من كان تخلف عنهم من أصحابهم، فقال: ما تقول؟ قال: ما أرى أن ترتحل حتى يطلُعَ أولُ الجيش من وراء هذه الأكمة، فقال أبو سفيان: والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم، قال: فلا تفعل فإني لك ناصح، فرجعوا على أعقابهم إلى مكة، ولقي أبو سفيان بعض المشركين يريد المدينة فقال: هل لك أن تُبْلِغَ محمدًا رسالةً وأُوقِرَ لك راحلتك زبيبًا إذا أتيت إلى مكة؟ قال: نعم، قال: أبلِغْ محمدًا أنا قد أجمعنا الكرةَ لنستأصله ونستأصل أصحابه، فلما بلغهم قوله قالوا: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ


(١) م، ق، ب: «أسِرْ».
(٢) ذكره موسى بن عقبة، كما في «دلائل النبوة» (٣/ ٢١٧).
(٣) ومن هنا قيل لها: «غزوة حمراء الأسد». وهي أرض بها جبل أحمر جنوب غربيِّ المدينة على قرابة عشرين كيلًا، ولا تزال معروفةً بهذا الاسم.
(٤) «فأسلم» ساقط من م، ق، ب. والذي ذكره ابن إسحاق أنه كان «يومئذ مشرك» ولم أجد من ذكر أنه أسلم يومئذ.