للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عمرٍو أحدَ بني ساعدة الملقَّبَ بـ «المُعْنِق ليموت» (١) وكانوا من خيار المسلمين وفضلائهم وساداتهم وقرائهم.

فساروا حتى نزلوا بئر معونة، وهي بين أرض بني عامرٍ وحرَّةِ بني سُلَيم، فنزلوا هناك ثم بعثوا حرام بن مِلحان أخا أم سليم بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عدو الله عامر بن الطفيل فلم ينظر فيه وأمر رجلًا فطعنه بالحربة خلفَه، فلما أنفذها فيه ورأى الدم قال: فزت وربِّ الكعبة! ثم استنفر عدوُّ الله لفوره بني عامر إلى قتال الباقين، فلم يجيبوه لأجل جوار أبي براء، فاستنفر بني سُلَيم فأجابته عُصيَّة ورِعْلٌ وذكوان، فجاءوا حتى أحاطوا بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقاتلوا حتى قُتِلوا عن آخرهم إلا كعبَ بن زيد بن النجار، فإنه ارْتُثَّ (٢) مِن بين القتلى فعاش حتى قُتِل يوم الخندق.

وكان عمرو بن أمية الضمري والمنذر بن محمد بن عقبة في سَرْح المسلمين، فرأيا الطيرَ تحوم على موضع الوقعة، فنزل المنذر بن محمد فقاتل المشركين حتى قُتِل مع أصحابه، وأُسِر عمرو بن أمية الضمري، فلما أَخبر أنه من مُضَر جزَّ عامرٌ ناصيتَه وأعتقه عن رقبةٍ كانت على أمه، ورجع عمرو بن أمية، فلما كان بالقرقرة من صدرِ قناةَ (٣) نزل في ظلِّ شجرةٍ، وجاء


(١) روي في سبب تلقيبه أنه لمّا قُتل أصحابه ــ كما سيأتي ــ وبقي هو قالوا له: إن شئتَ آمنّاك، فأبى وقاتلهم حتى قُتل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمّا بلغه ذلك: «أعنق ليموت» أي أسرع إلى الموت وتقدّم إليه. انظر: «الدلائل» (٣/ ٣٤٢) عن موسى بن عقبة، و «مغازي الواقدي» (١/ ٣٤٨) و «طبقات ابن سعد» (٢/ ٤٩).
(٢) أي: حُمل من المعرفة رَثِيثًا ــ أي جريحًا ــ وبه رَمَق.
(٣) القرقرة: أرض مطمئنة وسط القاع. و «قناة»: وادٍ فحل يستسيل مناطق شاسعة من شرق الحجاز. انظر: «معجم المعالم الجغرافية في السيرة» (ص ٢٥٧).