للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ففي «المسند» و «السنن» (١) أن مروان بن الحكم سأله: هل صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف؟ قال: نعم، قال: متى؟ قال: عام غزوة نجد.

وهذا يدل على أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر، وأن مَن جعلها قبل الخندق فقد وهم وهمًا ظاهرًا. ولما تفطَّن (٢) بعضُهم (٣) لهذا ادَّعى أن غزوة ذات الرقاع كانت مرتين، فمرةً قبل الخندق ومرةً بعدها (٤)؛ على عادتهم في تعديد الوقائع إذا اختلفت ألفاظُها أو تاريخها. ولو صح لهذا القائل ما ذكره ــ ولا يصح ــ لم يمكن أن يكون قد صلى بها صلاةَ الخوف في المرة الأولى، لِما تقدم من قصة عسفان وكونِها بعد الخندق. ولهم أن يجيبوا عن هذا بأن تأخيرَ يوم الخندق جائز غيرُ منسوخ، وأن في حال المُسايفة يجوز تأخير الصلاة إلى أن يتمكَّن من فِعلها ــ وهذا أحد القولين في مذهب أحمد وغيره ــ، لكن لا حيلة لهم في قصة عسفان وأن أول صلاة صلاها للخوف بها، وأنها بعد الخندق.

فالصواب تحويل غزوة ذات الرقاع من هذا الموضع إلى بعد الخندق، بل بعد خيبر. وإنما ذكرناها هاهنا تقليدًا لأهل المغازي والسير، ثم تبيَّن لنا وهمهم، وبالله التوفيق.


(١) أحمد (٨٢٦٠) وأبو داود (١٢٤٠) والنسائي (١٥٤٣)، وأخرجه أيضًا ابن خزيمة (١٣٦١) وابن حبان (٢٨٧٨) والحاكم (١/ ٣٣٨).
(٢) غيّر بعضهم السياق في ن إلى: «ولمّا لم يفطن»، وكذا جاء في النسخ المطبوعة. وهو إقحام مفسد للمعنى المقصود.
(٣) لعل المؤلف يعني به: البيهقي. انظر: «الدلائل» (٣/ ٣٦٩ - ٣٧٢) ..
(٤) د، ب: «بعده».