للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما في «الصحيحين» (١) عن أبي ذر قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أول مسجد وضع في الأرض؟ قال: «المسجد الحرام». قلت: ثم أيٌّ؟ قال: «المسجد الأقصى». قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون عامًا». وقد أشكل هذا الحديث على من لم يعرف المراد به فقال: معلوم أن سليمان بن داود هو الذي بنى المسجد الأقصى، وبينه وبين إبراهيم أكثر من ألف عام. وهذا من جهل هذا القائل، فإن سليمان إنما كان له من المسجد الأقصى تجديده لا تأسيسه، والذي أسَّسه هو يعقوب بن إسحاق - صلى الله عليه وسلم - بعد بناء إبراهيم الكعبة بهذا المقدار.

ومما يدل على تفضيلها أن الله تعالى أخبر أنها أم القرى. فالقرى كلها تبع لها وفرع عليها، وهي أصل القرى، فيجب أن لا يكون لها في القرى عديل. وهذا كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن (الفاتحة) أنها أم القرآن (٢)، ولذلك لم يكن في الكتب الإلهية لها عديل.

ومن خصائصها: أنها لا يجوز دخولها لغير أصحاب الحوائج المتكررة إلا بإحرام، وهذه خاصِّيَّة (٣) لا يشاركها فيها شيء من البلاد. وهذه المسألة تلقَّاها الناس عن ابن عباس، وقد روي بإسناد لا يحتج به عن ابن عباس مرفوعًا: «لا يدخل أحد مكة إلا بإحرام، من أهلها أو من غير أهلها». ذكره أبو أحمد بن عدي (٤)، ولكن الحجاج بن أرطاة بالطريق، وآخر قبله من الضعفاء.


(١) البخاري (٣٣٦٦) ومسلم (٥٢٠).
(٢) أخرجه البخاري (٤٧٠٤) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٣) ع، ك: «خاصّة».
(٤) في «الكامل» (٩/ ٣٨٨ - ط. الرشد) في ترجمة محمد بن خالد الواسطي وهو الذي أشار إليه المؤلف؛ وهو والحجاج بن أرطاة كلاهما ضعيف. وقال ابن عدي: «لا أعرفه مسندًا إلا من هذا الطريق». لكن ثبت موقوفًا عن ابن عباس من غير وجه، أصحها ما أخرجه الطحاوي في «معاني الآثار» (٣/ ٣٢٩) والبيهقي في «الكبرى» (٥/ ١٧٧)، وجوَّد الحافظ إسناده في «التلخيص الحبير» (٤/ ١٥٧٠).