للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصحابي إليه (١) فعمدت إلى تَلٍّ يُطْلِعني على الحاضر فانبطحتُ عليه، وذلك قبل غروب الشمس، فخرج رجل منهم فنظر فرآني منبطحًا على التل فقال لامرأته: إني لأرى سوادًا على هذا التلِّ ما رأيتُه في أول النهار، فانظري لا تكون الكلاب اجترَّت بعضَ أوعيتك، فنظرت فقالت: واللهِ ما أفقد شيئًا، قال: فناوليني قوسي وسهمين من نبلي، فناولَتْه، فرماني بسهم فوضعه في جنبي، فنزعتُه فوضعتُه ولم أتحرك، ثم رماني بالآخر فوضعه في رأس منكبي، فنزعته فوضعته ولم أتحرك، فقال لامرأته: أما واللهِ لقد خالطه سهامي، ولو كان زائلًا لتحرَّك، فإذا أصبحتِ فابتغي سهميَّ فخُذِيهما لا تمضغهما الكلاب عليَّ.

قال: فأمهلنا حتى إذا راحت رائحتهم (٢)، واحتلبوا وسكنوا، وذهبت عَتَمة من الليل= شننَّا عليهم الغارةَ، فقتلنا من قتلنا، واستقنا النَّعَم فوجَّهنا قافلين به، وخرج صريخُهم إلى قومهم، وخرجنا سراعًا حتى نمرَّ بالحارث بن مالك وصاحبه، فانطلقنا به معنا، وأتانا صريخ الناس فجاءنا ما لا قِبَلَ لنا به حتى إذا لم يكن بيننا وبينهم إلا بطن الوادي من قُدَيد أرسل الله عز وجل من حيث شاء سيلًا، لا واللهِ ما رأينا قبل ذلك مطرًا، فجاء بما لا يقدر أحد يقوم عليه، فلقد رأيتُهم وقوفًا ينظرون إلينا ما يقدر أحدٌ منهم أن


(١) «إليه» كذا في «الدلائل» مصدر المؤلف، والظاهر أنه تصحيف عن «رَبيئةً» كما عند ابن هشام وغيره، أو عن «رَئيَّةً» كما في «المسند». والربيئة: طليعة القوم يرقب العدو من مربأ، والرئيَّة: عين القوم.
(٢) الرائحة هي الماشية التي تروح ــ أي تعود بالعشي ــ إلى مُراحها. وهي ضد السارحة، وهي المتوجهة إلى المرعى.