للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صحةِ القلب وفساده.

فتأمل قوة إيمان حاطبٍ التي حملته على شهود بدرٍ وبذلِه نفسَه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإيثارِه اللهَ ورسولَه على قومه وعشيرته وأقاربه وهم بين ظهرانَي العدوِّ وفي بلدهم، ولم يَثْنِ ذلك عِنان عزمه، ولا فلَّ مِن حدِّ إيمانه ومواجهته بالقتال لمن أهلُه وعشيرته وأقاربه عندهم، فلما جاء مرض الجسِّ برزت إليه هذه القوة، فكان البحران صالحًا فاندفع المرض وقام المريض كأن لم يكن به قَلَبة (١)، ولما رأى الطبيب قوة إيمانه قد استعلت على مرض جسه وقَهَرتْه قال لمن أراد فَصْده: لا يحتاج هذا العارض إلى فِصاد، «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».

وعكس هذا ذو الخويصرة التميمي وأضرابه من الخوارج الذين بلغ اجتهادهم في الصلاة والصيام والقراءة إلى حدٍّ يَحقر أحدُ الصحابة عملَه معه، كيف قال فيهم: «لئن أدركتهم لأقتلنَّهم قتلَ عادٍ» (٢)، وقال: «اقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم» (٣)، وقال: «شر قتلى تحت أديم السماء» (٤)؛ فلم ينتفعوا بتلك الأعمال العظيمة مع تلك المواد الفاسدة المهلكة واستحالت فاسدةً.


(١) أي كأن لم يكن به ألم ولا علّة. ولا يُستعمل «قلبة» إلا في النفي.
(٢) أخرجه البخاري (٣٣٤٤، ٧٤٣٢) ومسلم (١٠٦٤) من حديث أبي سعيد.
(٣) أخرجه البخاري (٣٦١١، ٥٠٥٧، ٦٩٣٠) ومسلم (١٠٦٦/ ١٥٤) من حديث علي.
(٤) أخرجه أحمد (٢٢١٥١، ٢٢١٨٣، ٢٢٣١٤) والترمذي وحسَّنه (٣٠٠٠) وابن ماجه (١٧٦) والطبراني في «الكبير» (٨/ ١٤٢) والحاكم (٢/ ١٤٩) من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - بأسانيد حسان يشد بعضها بعضًا.