للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدها: أن الجاني فيه هاتك لحرمته بإقدامه على الجناية فيه، بخلاف مَن جنى خارجه ثم لجأ إليه، فإنه معظِّم لحرمته مستشعر بها بالتجائه إليه، فقياس أحدهما على الآخر باطل.

الثاني: أن الجاني فيه بمنزلة المفسد الجاني على بِساط المَلِك في داره وحرمه، ومن جنى خارجه ثم لجأ إليه فإنه بمنزلة من جنى خارج بساط السلطان وحرمه ثم دخل إلى حرمه مستجيرًا.

الثالث: أن الجاني في الحرم قد انتهك حرمة الله سبحانه وحرمةَ بيته وحرمه، فهو منتهك (١) لحُرمتَين بخلاف غيره.

الرابع: أنه لو لم يُقَم الحدُّ على الجُناة في الحرم لعمَّ الفساد وعَظُم الشر في حرم الله، فإن أهل الحرم كغيرهم في الحاجة إلى صيانة نفوسهم وأموالهم وأعراضهم، ولو لم يُشرَع الحدُّ في حق من ارتكب الجرائم في الحرم لتعطَّلت حدود الله وعمَّ الضرر للحرم وأهله.

الخامس: أن اللاجئ إلى الحرم بمنزلة التائب المتنصِّل المستجير ببيت الرب تعالى (٢) المتعلِّقِ بأستاره، فلا يناسب حاله ولا حال حرمه وبيته أن يهاج، بخلاف المُقْدِم على انتهاك حرمته؛ فظهر سرُّ الفرق وتبيَّن أن ما قاله ابن عباس هو محض الفقه.

وأما قولكم: إنه حيوان مفسد فأبيح قتلُه في الحل والحرم كالكلب العقور، فلا يصح القياس، فإن الكلب العقور طبعُه الأذى فلم يُحرِّمه الحرم


(١) المطبوع: «هاتك».
(٢) النسخ المطبوعة: «المتنصل اللاجئ إلى بيت الرب تعالى».