للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فهل يتناول الحديث الرعي أم لا؟ قيل: هذا فيه قولان.

أحدهما: لا يتناوله فيجوز الرعي، وهذا قول الشافعي.

والثاني: يتناوله بمعناه وإن لم يتناوله بلفظه، فلا يجوز الرعي، وهو مذهب أبي حنيفة. والقولان لأصحاب أحمد (١).

قال المحرمون: وأي فرق بين اختلائه وتقديمه للدابة وبين إرسال الدابة عليه ترعاه؟

قال المبيحون: لما كانت عادة الهدايا أن تدخل الحرم وتكثر فيه، ولم يُنقَل قط أنها كانت تُسَدُّ أفواهها= دل على جواز الرعي.

قال المحرمون: الفرق بين أن يرسلها ترعى ويسلِّطَها على ذلك وبين أن ترعى بطبعها من غير أن يسلطها صاحبُها، وهو لا يجب عليه أن يَسُدَّ أفواهها كما لا يجب عليه أن يَسُدَّ أنفه في الإحرام عن شم الطيب وإن لم يجز له أن يتعمَّد شمَّه، وكذلك لا يجب عليه أن يمتنع من السَّير خشيةَ أن يُوطئ صيدًا (٢) في طريقه وإن لم يجز له أن يقصد ذلك، وكذلك نظائره.

فإن قيل: فهل يدخل في الحديث أخذ الكمأة والفَقْع (٣) وما كان مغيَّبًا في الأرض؟ قيل: لا يدخل فيه لأنه بمنزلة الثمرة، وقد قال أحمد (٤): يُؤكل من


(١) انظر: «كتاب اختلاف العراقيين - الأم» للشافعي (٨/ ٣٤٤) و «مختصر الطحاوي مع شرح الجصاص» (٢/ ٥٦٤) و «الإنصاف» للمرداوي (٩/ ٥٣).
(٢) أي: خشية أن يطأ الصيد براحلته أو فرسه. يقال: أوطأ فرسَه الصَّيد: حملها عليه فوطئته.
(٣) الفقع: ضرب من أردإ الكمأة.
(٤) في رواية حنبل، كما في «المغني» (٥/ ١٨٨).