للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأحب الخلق إلي» (١).

فما ظنك بعطاء قوَّى الإسلام وأهله وأذلَّ الكفر وحزبه، واستجلب به قلوب رؤوس القبائل والعشائر الذين إذا غضبوا غضب لغضبهم أتباعُهم وإذا رضوا رضوا لرضاهم، فإذا أسلم هؤلاء لم يتخلف عنهم أحد من قومهم؛ فللّاه ما أعظمَ موقعَ هذا العطاءِ وما أجداه وأنفعَه للإسلام (٢) وأهله.

ومعلوم أن الأنفال لله ولرسوله، يقسمها رسولُه حيث أمره لا يتعدى الأمر، فلو وَضع الغنائمَ بأسرها في هؤلاء لمصلحة الإسلام العامة لما خرج عن الحكمة والمصلحة والعدل.

ولمَّا عَميت أبصارُ ذي الخويصرة التميمي وأضرابه عن هذه المصلحة والحكمة قال له قائلهم: «اعدل فإنك لم تعدل»، وقال مُشْبِهُه: «إن هذه لَقسمةٌ ما أريد بها وجه الله» (٣)، ولعَمرُ الله إن هؤلاء مِن أجهل الخلق برسوله ومعرفتِه بربه وطاعتِه له، وتمامِ عدله، وإعطائه لله ومنعه لله.

ولله سبحانه أن يقسم الغنائم كما يحب، وله أن يمنعها الغانمين جملةً كما منعهم غنائم مكة وقد أوجفوا عليها بخيلهم وركابهم، وله أن يسلِّط عليها نارًا من السماء تأكلها (٤)، وهو في ذلك كله أعدل العادلين وأحكم الحاكمين، وما فعل ما


(١) قاله صفوان بن أمية، كما في «صحيح مسلم» (٢٣١٣) عن سعيد بن المسيب مرسلًا.
(٢) ف: «على الإسلام»، وكأن «على» مضروب عليها.
(٣) قولهما في «الصحيحين»، وقد سبق تخريجهما (ص ٥٤٢ - ٥٤٣).
(٤) كما كان عليه الأمر في الأمم السابقة، ففي حديث أبي هريرة المتفق عليه في قصة نبي من الأنبياء: « ... فجاءت النار فأكلتها، ثم أحل الله لنا الغنائم؛ رأى ضعفَنا وعجزنا فأحلّها لنا». البخاري (٣١٢٤) ومسلم (١٧٤٧).