للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما رجع تعجَّل بعضُ القوم إلى أهليهم فأذن لهم، فتعجَّل عبدُ الله بن حُذافة السَّهمي فأمَّره على من تعجَّل، وكانت فيه دعابة، فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا نارًا يصطلون عليها، فقال: عزمتُ عليكم إلا تواثبتم في هذه النار، فقام بعض القوم فتحجَّزُوا (١) حتى ظَنَّ أنهم واثبون فيها فقال: اجلسوا إنما كنت أضحك معكم، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «مَن أمركم بمعصيةٍ فلا تطيعوه» (٢).

قلت: في «الصحيحين» (٣) عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سريةً واستعمل عليهم رجلًا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأغضبوه فقال: اجمعوا لي حطبًا، فجمعوا، ثم قال: أوقدوا نارًا، ثم قال: ألم يأمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تسمعوا (٤)؟ قالوا: بلى، قال: فادْخُلُوها، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النار، فكانوا كذلك حتى سكن غضبه وطفئت النار، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدًا»، وقال: «لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف». فهذا فيه أن الأمير كان من الأنصار (٥)، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أمَّره، وأن الغضب حمله على ذلك.


(١) أي اجتمعوا للوثوب. في المطبوع: «فتجهزوا» خلافًا للأصول ولمصادر الخبر.
(٢) أخرجه أحمد (١١٦٣٩) وابن ماجه (٢٨٦٣) وابن حبان (٤٥٥٨) من حديث أبي سعيد الخدري بإسناد حسن.
(٣) البخاري (٤٣٤٠، ٧١٤٥) ومسلم (١٨٤٠) واللفظ به أشبه.
(٤) في مسلم: «أن تسمعوا لي وتطيعوا». ولفظ البخاري: «أن تطيعوني».
(٥) أي: بخلاف عبد الله بن حذافة السهمي، فإنه قرشي مُهاجري.