للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أجعل لك مالًا وولدًا؟ فيقول: بلى، فيقول: أين ما قدمت لنفسك؟ فينظر قُدَّامه وبَعده وعن يمينه وعن شماله ثم لا يجد شيئًا يقي به وجهه جهنم، ليقِ أحدُكم وجهَه النارَ ولو بشقِّ تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة، فإني لا أخاف عليكم الفاقة، فإن الله ناصركم ومعطيكم حتى تسير الظعينةُ ما بين يثرب والحِيرَةِ أكثرَ (١)

ما تخاف على مطيَّتها السَّرَق»، قال: فجعلت أقول في نفسي: فأين لصوص طيئ (٢)؟!


(١) كذا في الأصول، وأيضًا في النسخ الخطية من «جامع الترمذي» و «كتاب التوحيد» لابن خزيمة. وفي «المسند» ومخطوطة «الدلائل»: «إن أكثر ما تخاف ... ». وعند الطبراني في الرواية الأولى: «وأكثر ما تخاف»، وفي الثانية: «أخوف ما تخاف». وتأويل الكلام ــ والله أعلم ــ أن الظعينة ستسير في المفاوز التي أكثر ما يخافه السائر في مثلها السرقة، ولكنها ستسير فيها آمنة لا يحصل لها من ذلك المخوف شيء.

هذا، والذي في عامة مطبوعات «جامع الترمذي» و «كتاب التوحيد» و «الدلائل»: «أو أكثر» ليكون عطفًا على ما قبله وتكونَ «ما» نافية، أي: تسير هذه المسافة أو أكثر لا تخاف فيها السرقة، ولكن بمراجعة أصولها الخطية تبيّن أن «أو» إما مقحمة وإما مصحَّفة عن «إنّ».
(٢) لحديث عدي هذا شواهد في «الصحيحين» وغيرهما من طرق عنه، وأطولها حديث البخاري (٣٥٩٥) بلفظ: «بينا أنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: «يا عدي، هل رأيت الحيرة؟» قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها، قال «فإن طالت بك حياة، لترين الظعينة ترتحل من الحيرة، حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدًا إلا الله، ــ قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعار طيئ الذين قد سعروا البلاد ــ، ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى»، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: «كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة، لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة، يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدًا يقبله منه، وليلقينَّ الله أحدُكم يوم يلقاه، وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فليقولن له: ألم أبعث إليك رسولًا فيبلغك؟

= ... فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالًا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم»، قال عدي: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اتقوا النار ولو بشقة تمرة، فمن لم يجد شقة تمرة فبكلمة طيبة». وانظر: «صحيح البخاري» (١٤١٣، ١٤١٧، ٦٠٢٣، ٧٥١٢) ومسلم (١٠١٦).