للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن إسحاق (١): ولما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخروج خلَّف علي بن أبي طالب على أهله، فأرجف به المنافقون وقالوا: ما خلَّفه إلا استثقالًا وتخفُّفًا منه، فأخذ عليٌّ سلاحَه ثم خرج حتى أتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو نازل بالجُرْف (٢) فقال: يا نبي الله، زعم المنافقون أنك إنما خلَّفتني لأنك استثقلتني وتخففت مني، فقال: «كذبوا، ولكنني خلفتك لِما تركتُ ورائي، فارجع فاخلُفْني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي»، فرجع علي إلى المدينة (٣).

ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيامًا إلى أهله في يوم حارٍّ فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه قد رشَّت كلُّ واحدة منهما عريشها وبرَّدت له ماءً وهيأت له فيه طعامًا، فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الضِّحِّ (٤) والريح والحر وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيَّأٍ وامرأة حسناء (٥)، ما هذا


(١) كما في «سيرة ابن هشام» (٢/ ٥١٩) و «عيون الأثر» (٢/ ٢١٧).
(٢) موضع يقع شمال غربيِّ المسجد النبوي، وهو اليوم حيٌّ من أحياء المدينة.
(٣) له شاهد عند البخاري (٤٤١٦) ومسلم (٢٤٠٤) من حديث سعد بن أبي وقاص قال: خلّف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله، تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي».
(٤) الضِّحُّ: نقيض الظل.
(٥) زِيد في المطبوع بعده: «في ماله مقيم» أخذًا من «سيرة ابن هشام»، وليس في شيء من الأصول ولا في مصدر المؤلف «عيون الأثر».