للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حمرة الوجه لسرعة فَوَران (١) الدم فيه فينشأ عن ذلك السرور، والغضبُ تعجُّبٌ يتبعه ضحك وتبسُّم، فلا يغتَّر المغترُّ بضحك القادر عليه في وجهه، ولا سيما عند المَعْتَبة؛ كما قيل (٢):

إذا رأيت نيوب الليث بارزةً ... فلا تظنَّنَّ أن الليث مبتسمُ

ومنها: معاتبة الإمام والمطاع أصحابَه ومن يَعِزُّ عليه ويَكرُم عليه، فإنه عاتب الثلاثة دون سائر من تخلَّف عنه. وقد أكثر الناس من مدح عتاب الأحبة واستلذاذه والسرور به، فكيف بعتاب أحبِّ الخلق على الإطلاق إلى المعتوب عليه؟! وللهِ ما كان أحلى ذلك العَتْبَ، وما أعظَمَ ثمرتَه وأجلَّ فائدتَه! وللهِ ما نال به الثلاثة من أنواع المسرات وحلاوة الرضا وخِلَع القبول!

ومنها: توفيق الله لكعبٍ وصاحبيه فيما جاؤوا به من الصدق، ولم يخذلهم حتى كذبوا واعتذروا بغير الحق فصلحت عاجلتُهم وفسدت عاقبتُهم كلَّ الفساد، والصادقون تعبوا في العاجلة بعضَ التعب فأعقبهم صلاح العاقبة والفلاحَ كلَّ الفلاح. وعلى هذا قامت الدنيا والآخرة، فمرارات المبادي حلاوات في العواقب، وحلاوات المبادي مرارات في العواقب.

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لكعب: «أما هذا فقد صدق» دليل ظاهر في التمسُّك بمفهوم اللقب عند قيام قرينةٍ تقتضي تخصيصَ المذكور بالحكم، كقوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا


(١) د، المطبوع: «ثوران».
(٢) البيت للمتنبِّي في «ديوانه» (ص ٣٢٣) تحقيق عبد الوهاب عزَّام.