للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرَّفوه وموَّلوه وأخدموه، وبنوا له الكنائس وبسطوا عليه الكرامات لِما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم.

فلما وجَّهوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نجران جلس أبو حارثة على بغلةٍ له موجهًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإلى جنبه أخ له يقال له: كُرْز بن علقمة يسايره، إذ عثرت بغلة أبي حارثة فقال له كرز: تَعِس الأبعد! يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له أبو حارثة: بل أنت تعست! فقال: ولم يا أخي؟ فقال: والله إنه النبي الأمي الذي كنا ننتظره، فقال له كرز: فما يمنعك (١) وأنت تعلم هذا؟ فقال: ما صنع بنا هؤلاء القوم، شرَّفونا وموَّلونا وأكرمونا، وقد أبوا إلا خلافَه، ولو فعلت نزعوا منا كلَّ ما ترى؛ فأضمر عليها منه أخوه كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك.

قال ابن إسحاق (٢): وحدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديًّا، وقالت النصارى: ما كان إلا نصرانيًّا، فأنزل الله عز وجل فيهم: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ


(١) زِيد بعده في النسخ المطبوعة: «من اتباعه»، وليس في شيء من الأصول، ولا في مصدر النقل.
(٢) كما في «دلائل النبوة» (٥/ ٣٨٤)، ومحمد بن أبي محمد فيه جهالة حال، وقد تفرّد بالرواية عنه ابن إسحاق، ذكره البخاري وابن أبي حاتم فلم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وأورده ابن حبان في «الثقات». وقد أكثر الطبري وابن أبي حاتم في «تفاسيرهما» من إيراد أقوال ابن عباس بهذا الإسناد من طريق ابن إسحاق.