للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم دفعه إلى أخيه فقرأه مثلَ قراءته، إلا أني رأيت أخاه أرقَّ منه قال: ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت؟ فقلت: تبعوه إمَّا راغبٌ في الدين وإما مقهور بالسيف، قال ومن معه؟ قلت: الناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه على غيره، وعرفوا بعقولهم مع هدى الله إياهم أنهم كانوا في ضلال، فما أعلم أحدًا بقي غيرُك في هذه الحَرَجَة (١)، وأنت إن لم تُسلم اليومَ وتتبعه يُوطِئْك الخيلَ ويُبيد خضراءَك، فأسلِمْ تَسلَمْ ويستعمِلْكَ على قومك، ولا يُدخِلْ عليك الخيلَ والرجال. قال: دعني يومي هذا وارجع إلي غدًا، فرجعت إلى أخيه فقال: يا عمرو، إني لأرجو أن يُسلم إن لم يَضَنَّ بمُلكه، حتى إذا كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لي، فانصرفت إلى أخيه فأخبرته أني لم أصل إليه، فأوصلني إليه، فقال: إني فكَّرتُ فيما دعوتَني إليه، فإذا أنا أضعف العرب إن ملَّكتُ رجلًا ما في يدي وهو لا تبلغ خيلُه هاهنا، وإن بلغَتْ خيلُه أَلْفَتْ قتالًا ليس كقتال من لاقى. قلت: وأنا خارج غدًا، فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه فقال: ما نحن فيما قد ظهر عليه، وكلُّ من أرسل إليه قد أجابه، فأصبح فأرسل إليَّ فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعًا وصدَّقا (٢)

النبي - صلى الله عليه وسلم -، وخلَّيا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم، وكانا لي عونًا على من خالفني (٣).


(١) الحَرَجة هي مجتمع شجرٍ ملتفٍّ، سميَّت بذلك لضيقها. ويحتمل أن يكون أراد ضيق الكفر الذي هم عليه.
(٢) في جميع الأصول عدا ز: «صدَّق». والمثبت موافق لمصدر المؤلف ..
(٣) ذكره الواقدي ــ وعنه ابن سعد (٥/ ٥٧) مختصرًا، والكلاعي في «الاكتفاء» (١: ٢/ ٣٩٨) مطوّلًا ــ بإسنادٍ له إلى عمرو بن العاص. وعن الكلاعي نقله ابن سيد الناس (٢/ ٢٦٧) وهو مصدر المؤلف.