للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عارفةً بربِّها وفاطرها وبأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، وأن تكون مُؤْثِرةً لمرضاته ومحابِّه (١)، متجنِّبةً لمناهيه ومساخطه؛ ولا صحَّة لها ولا حياة البتَّة إلا بذلك, ولا سبيل إلى تلقِّيه إلا من جهة الرُّسل. وما يُظَنُّ من حصول صحَّة القلب بدون اتِّباعهم فغلطٌ ممَّن يظنُّ ذلك, وإنَّما ذلك حياة نفسه البهيميَّة الشَّهوانيَّة (٢) وصحَّتها وقوَّتها؛ وحياةُ قلبه وصحَّتُه وقوَّتُه عن ذلك بمعزلٍ. ومن لم يميِّز بين هذا وهذا، فليبكِ على حياة قلبه فإنَّه من الأموات، وعلى نوره فإنَّه منغمسٌ في بحار الظُّلمات.

فصل

وأمَّا طبُّ الأبدان، فإنَّه (٣) نوعان:

نوعٌ قد فطر الله عليه الحيوانَ ناطقَه وبهيمَه. فهذا لا يحتاج فيه إلى معالجة طبيبٍ، كطبِّ الجوع والعطش والبرد والتَّعب بأضدادها وما يزيلها.

والثَّاني: ما يحتاج إلى فكرٍ وتأمُّلٍ، كدفع الأمراض المتشابهة الحادثة في المزاج بحيث يخرج بها عن الاعتدال، إمَّا إلى حرارةٍ أو برودةٍ أو يبوسةٍ أو رطوبةٍ، أو ما يتركَّب من اثنين منها. وهي نوعان: إمَّا مادِّيَّةٌ وإمَّا كيفيَّةٌ، أعني: إمَّا أن يكون بانصباب مادَّةٍ أو بحدوث كيفيَّةٍ. والفرق بينهما أنَّ أمراض الكيفيَّة تكون بعد زوال الموادِّ الَّتي أوجبتها، فتزول موادُّها، ويبقى أثرها كيفيَّةً في المزاج. وأمراضُ المادَّة أسبابها معها تمدُّها. وإذا كان سبب المرض


(١) ما عدا ف، حط، د: «ولمحابه»، وهو ساقط من ن.
(٢) حط: «الشيطانية»، تحريف.
(٣) ز: «فهو».