للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا فلو لم يكن في البدن جزءٌ مسخِّنٌ لوجب أن يكون في نهاية البرد، لأنَّ الطَّبيعة إذا كانت مقتضيةً للبرد وكانت خاليةً من المُعاوِق (١) والمُعارِض وجب انتهاء البرد إلى أقصى الغاية. ولو كان كذلك لما حصل لها الإحساس بالبرد، لأنَّ البرد الواصل إليه إن كان في الغاية كان مثله، والشَّيء لا ينفعل عن مثله، وإذا لم ينفعل عنه لم يحسَّ به، وإذا لم يحسَّ به لم يتألَّم عنه. وإن كان دونه فعدمُ الانفعال يكون أولى. فلو لم يكن في البدن جزءٌ مسخِّنٌ بالطَّبع لما انفعل البدن (٢) عن البرد ولا تألَّم به.

قالوا: وأدلَّتكم إنَّما تُبطل قول من يقول: الأجزاء النَّاريَّة باقيةٌ في هذه المركَّبات على حالها وطبيعتها النَّاريَّة، ونحن لا نقول بذلك، بل نقول: إنَّ صورتها النَّوعيَّة تفسد عند الامتزاج.

قال الآخرون: لم لا يجوز أن يقال: إنَّ الأرض والماء والهواء إذا اختلطت، فالحرارة المنضجة الطَّابخة لها هي حرارة الشَّمس وسائر الكواكب؛ ثمَّ ذلك المركَّب عند كمال نضجه يستعدُّ لقبول الهيئة التَّركيبيَّة بواسطة السُّخونة، نباتًا كان أو حيوانًا أو معدنًا؟ وما المانع أنَّ تلك السُّخونة والحرارة الَّتي في المركَّبات هي بسبب خواصَّ وقوًى يُحدثها الله عند ذلك الامتزاج، لا من أجزاءٍ ناريَّةٍ بالفعل؟ ولا سبيل لكم إلى إبطال هذا الإمكان البتَّة، وقد اعترف جماعةٌ من فضلاء الأطبَّاء بذلك.

وأمَّا حديث إحساس البدن بالبرد، فنقول: هذا يدلُّ على أنَّ في البدن حرارةً وتسخينًا، ومن ينكر ذلك؟ لكن ما الدَّليل على انحصار المسخِّن في


(١) ن: «المعاون»، وكذا في النسخ المطبوعة، وهو تصحيف.
(٢) لم ترد كلمة «البدن» في د، ث، ل؛ واستدركت في هامش ف، س.