للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا وجدتُ لهيبَ الحبِّ في كبدي ... أقبلتُ نحو سِقاء القوم أَبترِدُ

هَبْني بردتُ ببرد الماء ظاهره ... فمَن لنارٍ على الأحشاء تتَّقدُ

وقوله: «بالماء» فيه قولان. أحدهما: أنَّه كلُّ ماءٍ، وهو الصَّحيح. والثَّاني: أنَّه ماء زمزم. واحتجَّ أصحاب هذا القول بما رواه البخاريُّ في «صحيحه» (١) عن أبي جَمْرة (٢) نصر بن عمران الضُّبَعي قال: كنت أجالس ابن عبَّاسٍ بمكَّة، فأخذتني الحمَّى، فقال: أَبْرِدْها عنك بماء زمزم، فإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ (٣) الحمَّى من فيح جهنَّم، فأبرِدوها بالماء» أو قال: «بماء زمزم». وراوي هذا قد شكَّ فيه. ولو جزم به لكان أمرًا لأهل مكَّة بماء زمزم إذ هو متيسِّرٌ عندهم، ولغيرهم بما عندهم من الماء.

ثمَّ اختلف من قال إنَّه على عمومه: هل المراد به الصَّدقة بالماء أو استعماله؟ على قولين، والصَّحيح أنَّه استعماله. وأظنُّ الذي حمل من قال: المراد الصَّدقة به (٤): أنَّه أشكل عليه استعمال الماء البارد في الحمَّى ولم يفهم وجهَه، مع أنَّ لقوله وجهًا حسنًا، وهو أنَّ الجزاء من جنس العمل، فكما أخمد لهيبَ العطش عن الظَّمآن بالماء البارد، أخمد الله لهيبَ الحمَّى عنه جزاءً وفاقًا. ولكن هذا يؤخذ من فقه الحديث وإشارته، وأمَّا المراد به فاستعماله.


(١) برقم (٣٢٦١).
(٢) ما عدا س، ن: «حمزة»، تصحيف.
(٣) لم ترد «إنَّ» في س.
(٤) «به» ساقط من ز، ث، ل. وفي ث، ل، حط، ن: «المراد به». وفي س، ث: «إن المراد». والقول بأن المراد الصدقة قول ابن الأنباري. انظر: «أعلام الحديث» (٣/ ٢١٢٦).