للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمرض والحِكَّة وكثرة القَمْل، كما دلَّ عليه حديث أنس هذا الصَّحيح.

والجواز أصحُّ الرّوايتين عن الإمام أحمد، وأصحُّ قولي الشَّافعيِّ (١)؛ إذ الأصل عدم التَّخصيص. والرُّخصة إذا ثبتت في حقِّ بعض الأمَّة لمعنًى تعدَّت إلى كلِّ من وُجِد فيه ذلك المعنى، إذ الحكم يعمُّ بعموم سببه.

ومن منع منه قال: أحاديث التَّحريم عامَّةٌ، وأحاديثُ الرُّخصة يحتمل اختصاصها بعبد الرَّحمن والزبير، ويحتمل تعدِّيها إلى غيرهما. وإذا احتمل الأمران كان الأخذ بالعموم أولى. ولهذا قال بعض الرُّواة في هذا الحديث (٢): فلا أدري أبلغت الرُّخصةُ لغيرهما أم لا؟

والصَّحيح عموم الرُّخصة، فإنَّه عرفُ خطاب الشَّرع في ذلك، ما لم يصرِّح بالتَّخصيصِ وعدمِ إلحاق غيرِ مَن رخَّص له أوَّلًا (٣) به، كقوله لأبي بردة: «تَجزيك ولن تَجزي عن أحدٍ بعدك» (٤)، وكقوله تعالى لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - في نكاح من وهبت نفسها له: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: ٥٠].

وتحريم الحرير إنَّما كان سدًّا للذَّريعة، ولهذا أبيح للنِّساء وللحاجة


(١) انظر: «المغني» (٢/ ٣٠٦) و «المجموع» (٤/ ٤٤٠) و «مجموع الفتاوى» (٢١/ ٨٢) و (٢٤/ ٢٧٦).
(٢) لم أقف على هذا القول في هذا الحديث. وأخشى أن يكون المقصود قول أنس في حديث أبي بردة بن نيار الآتي ذكره: «لا أدري أبلغت الرخصة غيرَه أم لا» كما في «صحيح البخاري» (٦٦٧٣). وقد ورد فيه التخصيص في رواية أخرى كما ذكر المصنف في الفقرة الآتية.
(٣) د، حط، ل، ن: «أولى».
(٤) من حديث البراء، أخرجه البخاري (٥٥٤٥) ومسلم (١٩٦١) بنحوه.